إعادة ترميم "مدينة الأشباح"..​​​. جهود أهلية واسعة لإعادة إعمار بيروت عقب انفجار المرفأ

إعادة ترميم "مدينة الأشباح"..​​​. جهود أهلية واسعة لإعادة إعمار بيروت عقب انفجار المرفأ

( أردو بوینت نتورك‎‎‎ ۔ / سبوتنيك - 20 اكتوبر 2020ء) سلمى خطاب. أكثر من شهرين مرا على الانفجار المروع الذي وقع بمرفأ مدينة بيروت في الرابع من آب/أغسطس الماضي، وترك المدينة في حالة خراب كبيرة، إذ يصعب المرور بأي من الشوارع بدون أن تقع عيناك على بقايا زجاج محطم أو بناية مهدمة أو قيد الترميم، ما وضع بيروت على بداية طريق طويل لإعادة الإعمار.

"البنايات فينا نرممها، لكن الخراب يلي صار فينا نحن البشر كيف نرممه؟" يتساءل أنطوان أحد سكان منطقة مار مخايل القريبة من المرفأ والتي تضررت كثيرا جراء الانفجار، إذ يقول لوكالة سبوتنيك إن "يوم الانفجار ظننت أن العالم انتهى، صوت انفجار هائل وكل البنايات في الحي تهتز وتقع، لم ندرك وقتها ما يحدث، اعتقدنا أنها غارة أو ضربة جوية، ثم عرفنا بعد ذلك أن الانفجار في المرفأ".

(تستمر)

ويتابع أنطوان "لم نصب بإصابات بالغة، وكذلك البناية، تكسرت أجزاء منها وتحطمت كل قطعة زجاج بالمنزل لكن أساس البناية بقى سليما، ونعمل  الآن على ترميمها".

وسط مدينة بيروت الذي اشتهر في السابق بكونه ساحة حيوية مليئة بالمحال التجارية والمطاعم، تحول بعد الانفجار لما يشبه مدينة أشباح، حيث تَظلم الطرقات بدون إنارة، وتغلق العديد منها قوى الأمن اللبنانية، وتمتلئ الجدران بين المحال التجارية المحطمة بعبارات غاضبة تدين الفساد وتطالب بمحاكمة النخب السياسية الحاكمة.

"15 سنة من الحرب الأهلية ما صار مثل اللي صار بالانفجار، ما صار ربع الدمار اللي سببه الفساد"، يقول أحد سائقي التاكسي، ثم يضحك "مر علينا الكثير واعتدنا أن نعيش".

ويضيف السائق "الآن يتحدثون عن إعادة البناء، هذه مصلحة جديدة بالنسبة لهم".

عقب وقوع الانفجار، تسلم الجيش اللبناني إدارة مدينة بيروت بشكل مؤقت للإشراف على عمليات إعادة الإعمار، حيث شكل "غرفة الطوارئ المتقدمة في بيروت"، والتي تعمل على تحديد مواقع الحاجة والدعم وتنسيق الجهود بين جميع الأطراف والمتطوعين العاملين في إعادة الإعمار.

وفي تقرير صادر عن غرفة الطوارئ وبلدية بيروت بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، قدر عدد المنازل التي تضررت جراء الانفجار بـنحو 60 ألف وحدة سكنية، وعدد الأشخاص الذين تأثروا بأكثر من 300 ألف شخص، بالإضافة إلى 212 قتيل جراء الانفجار، وأكثر من 6000 مصاب، و7 مفقودين.

وأجرى التقرير تقييما لنحو 10 آلاف مبنى تضرر من الانفجار، كان بينهم أكثر من 6800 مبنى تعرضوا لأضرار خفيفة، و208 بنايات أصبحوا غير آمنين للسكن، و7 بنايات انهارات تماما.

ويساهم بشكل أساسي في عمليات إعادة الإعمار الجميعات الأهلية اللبنانية وغير اللبنانية، وآلاف من المتطوعين الذين يعملون كخلية نحل يوميا منذ أكثر من شهرين، وينقسم عملهم إلى 4 مهمات رئيسية وهي تقييم الأضرار، وتنظيف المنازل وإزالة آثار الانفجار، وإعادة البناء، وتقديم الدعم النفسي لمن يحتاجونه.

في حديث لوكالة سبوتنيك، يقول علي كاعين المسؤول عن مشروع إعادة الإعمال ببيروت بجمعية "فرح العطاء" [جمعية لبنانية غير هادفة للربح] إنه "من اليوم التالي لوقوع الانفجار كان لنا أشخاص على الأرض، لكن أعمالهم كانت تنحصر في أعمال التنظيف، ثم بدأنا بعمل حصر للأضرار، ثم بدأنا إعادة الإعمار بكل التفاصيل"، مضيفا "للمرة الأولى يحدث شي بهذا الحجم، أعلنا عن حاجتنا لمتطوعين أيضا، وجاءنا متطوعون من لبنان ومصر وأوروبا والولايات المتحدة ولبنانيين يعيشون في الخارج أيضا تركوا عملهم لفترة وجاءوا للتطوع معنا، ثم أدخلنا معها المعلمين والمهندسين، العمالة المدرب

ة، وبدأنا الشغل، في البداية عملنا تقييم، وبناء على هذا التقييم بدأنا المعالجة".

وحول شكل الأضرار التي رصدتها الجمعية، قال كاعين "الأضرار التي رصدناها تراوحت بين تكسير الزجاج ، وحتى تكسير وتدمير بأساسات البناء والخرسانات الأساسيىة للمبنى، هناك بيوت تهدمت تماما، لم نستطع إنقاذها، لكن إجمالا نعمل على معالجة كل الأضرار".

وبحسب كاعين تعمل الجمعية على ترميم نحو 44 بناية بمنطقة مارمخايل، كمرحلة أولى، بتكلفة مليون دولار تقريبا، ويقول كعين "هذا الجزء من المشروع كمرحلة أولية، بعد الانتهاء منه، إذا جاءنا تمويل إضافي سنعمل على التوسع في أعمال الترميم في مناطق أخرى".

أما عن أوضاع الأهالي الذين تخضع بيوتهم لعمليات الترميم، قال كاعين "الكثير من الأهالي فضلوا البقاء في بيوتهم وهي مرحلة إعادة الإعمار، ومن كان بيته متضرر كثيرا كان يفضلون الذهاب إلى أقاربهم، رغم ان جمعيتنا وجمعيات أخرى وفرت مراكز يمكن للناس الإقامة فيها، لكنهم كانوا يفضلون البقاء عند أقاربهم بالقرب من بيوتهم المتضررة ليشرفوا على أعمال إعادة البناء بأنفسهم".

جميعة أخرى وهي جمعية "شفت" التي تعمل بشكل أساسي في طرابلس وتنقل متطوعيها يوميا من طرابلس إلى بيروت [نحو ساعة ونصف ذهابا ومثلها إيابا] للعمل على إزالة آثار التدمير في البيوت المتضررة من الانفجار، يقول مديرها وأحد مؤسسيها عمر عساف لوكالة سبوتنيك "أول ما وقع الانفجار في بيروت عادت لنا ذكريات الانفجار الذي وقع عام 2013 واستهدف مسجدين في طرابلس، بالطبع هو أقل مما حدث في بيروت، لكنه أعاد إلى أذهاننا كم الدمار والتعب الذي لحق بالناس، عملنا جولة ببيروت وقررنا أننا يجب أن نتدخل".

ويضيف "أجرينا استطلاعا لرأي المتطوعين والشباب بالجمعية وقررنا أنه يجب أن نساعد، وبالفعل بدأنا بمساعدة بسيطة وهي مساعدة الناس على إزالة الردم والأشياء المكسرة بالبيوت جراء الانفجار وطلبنا ممن يريد التطوع ببيروت تسجيل اسمه، وبالفعل وصلتنا عشرات الطلبات من راغبين بالتطوع في بيروت، كجمعية وفرنا لهم المواصلات، ويوميا عندنا نحو 15 – إلى 25 شخصا يذهبون من طرابلس إلى بيروت لمدة شهرين إلى الآن".

ويوضح عساف "في البداية كان الإطار الزمني للبرنامج أن نعمل لمدة شهر واحد، ثم أصبح شهرين، والآن لدينا عمليات على الأرض سنكملها، وهذه العملية جعلتنا نعمل على التوسع وفتح مركز ثاني للجمعية في بيروت"، مضيفا "بعد الانفجار تم تسليم إدارة بيروت للجيش اللبناني، وبهذا الوقت شكلوا غرفة لإدارة الطوارئ، ونحن نتعاون معهم باجتماعاتهم، ونوفر لهم البيانات التي يطلبونها، إضافة إلى ذلك ننسق مع العديد من الجمعيات الدولية، نوفر لهم المعلومات حول من يحتاج لمساعدة والمناطق المتضررة".

تعمل أغلب هذه الجمعيات تحت مظلة غرفة الطوارئ المتقدمة في بيروت وبلدية بيروت، وفي حديث لوكالة سبوتنيك يقول محافظ بيروت القاضي مروان عبود "منذ اللحظة الأولى لفاجعة بيروت أصدرت توجيهاتي بوضع كل الامكانات المتوفرة لدينا وعلى الرغم من تواضعها حتى يصار إلى عودة المناطق المنكوبة على ما كانت عليه، ونحن اليوم على تعاون وتنسيق وثيق مع الجيش اللبناني بعدما استلم إعادة التنسيق والإعمار بحسب قانون الطوارئ الذي أصدرته الحكومة اللبنانية".

ويضيف عبود "نتعاون مع كل الجمعيات المحلية والدولية ومنظمات الامم المتحدة والسفارات التي أبدت استعدادها بالمساهمات ولكن حتى اللحظة المساهمات ضئيلة جدا مقارنة بحجم الكارثة، مشددا على أن "حجم الدمار الذي خلفه الانفجار كبير جدا وتداعياته السلبية على كافة الصعد الإنسانية والاقتصادية أكبر من أن يتحمله لبنان وحده بل أن حجم الكارثة أكبر من أن تتحمله حتى الدول المتقدمة".

وحول حجم الأضرار التي تم رصدها بالمدينة، قال عبود "بحسب تقديرات البنك الدولي فإن الخسائر تفوق 7.4 مليار دولار منها 4.1 مليار أصول مادية 3.2 مليار خسائر اقتصادية".

أما عن الدعم الذي تقدمه المحافظة، قال عبود "بالإضافة إلى الدعم المادي، مهمتنا تقتضي تقديم الدعم القانوني والمعنوي لأولئك الذين يتفانون في تنظيف وإزالة آثار الدمار وتقديم المأكل والمأوى لمن هم بحاجة. قد يكون هذا الحادث المأساوي فرصة للتعاون ما بين بلدية بيروت والجيش اللبناني والجمعيات الخيرية و المتبرعين حول العالم و ذلك على المدى الطويل".

وناشد عبود هيئات المجتمع الدولي لمساعدة لبنان، حيث قال "أنا اليوم من موقعي كمحافظ بيروت، أناشد هيئات المجتمع الدولي مساعدة لبنان للحفاظ على حريته وتعدديته وثقافته. لبنان اليوم غارق في محن اجتماعية واقتصادية  تستدعي أن نولي إليه اهتماما" استثنائيا" ولا سيما على صعيد النظام الصحي والاستشفائي الذي أنهكه تفشي فيروس كورونا (المستجد). فجاء انفجار المرفأ ليقضي على بعض مستشفيات العاصمة كمستشفى القديس يوسف الجامعي ومستشفى سيدة الوردية".

وأضاف "لبنان بحاجة لمساعدة دولية للنهوض بالاقتصاد، فالمؤسسات الدولية من شأنها أن  تضع اقتصاد لبنان على المسار الصحيح.  وأننا بحاجة  ملحة إلى مساندة الخبرات الدولية في عمليات التطوير والنمو".

وحول عمليات ترميم المنازل، قال عبود "أصدرت توجيهاتي لفريق الهندسة في بلدية بيروت بالعمل الدؤوب على إعادة ترميم الأبنية الآيلة للسقوط وذلك بالتعاون والتنسيق مع الجيش اللبناني"، وأضاف "أما بخصوص الأبنية التراثية فنحن نعتبرها الهوية الحقيقية للعاصمة بما تحمل من تاريخ وعراقة وهي بمثابة خط أحمر لن نسمح بتجاوزه ولن نرضى إلا بالحفاظ عليه".

أفكارك وتعليقاتك