مكتشف منصوراصورس: علم الحفريات يتميز بالشغف الذي يجب الاستفادة منه في تطوير مهارات الأطفال

مكتشف منصوراصورس: علم الحفريات يتميز بالشغف الذي يجب الاستفادة منه في تطوير مهارات الأطفال

( أردو بوینت نتورك‎‎‎ ۔ / سبوتنيك - 03 ديسمبر 2020ء) مصطفى بسيوني. ذاع في الآونة الأخيرة صيت مركز المنصورة للحفريات الفقارية، والذي أسسه عالم الحفريات المصري هشام سلام أستاذ الحفريات في جامعة المنصورة بدلتا النيل، وأستاذ الحفريات بالجامعة الأميركية، وكان السبب المباشر لذيوع صيت المركز والفريق البحثي الذي يقوده سلام اكتشاف (منصوراصورس) في الواحات الداخلة بمصر، وهو هيكل شبه كامل لديناصور كان يعيش في الفيوم قبل 75 مليون سنة، وكان يبلغ طوله عشرة أمتار ووزنه حوالي خمسة طن، واعتبر الكشف وقتها إنجازا علميا كبيرا، إذ أنه يعد دليل قوي على اتصال قارتي إفريقيا وأوروبا جيو�

�وجيا، كما أنه يوثق لفترة هامة من التاريخ الجيولوجي لقارة إفريقيا كانت بها فجوة​​​.

وفي مقابلة خاصة مع سبوتنيك تحدث سلام عن أهمية علم الحفريات، وتطبيقاته، وأهمية نظرية التطور ودورها في بناء تصور حديث للحياة على الأرض، كما تناول سلام في حديثه المصاعب التي تواجه فريقه البحثي في العمل، كذلك مستقبل علم الحفريات في مصر والكشوفات الجديدة التي أنجزها الفريق ولا زال.

(تستمر)

الحفريات علم أسرار الصخور

أكد عالم الحفريات الفقارية هشام سلام على أهمية علم الحفريات في فهم تطور الكرة الأرضية وبناء تصور حول تطور أشكال الحياة عليها بدءا من الخلية الأولية حتى ظهور الإنسان.

وقال سلام في حديثه لسبوتنيك "كل علم له مساهمته المعرفية في العلم الكلي للبشرية، وبالنسبة لعلم الحفريات فهو أساس علم الجيولوجيا، القشرة الأرضية تتكون من طبقات وهذه الطبقات قديمة، كيف نعرف أنها درجة قدمها، عن طريق الحفريات، الكائنات التي كانت موجودة في طبقة جيولوجية تحدد عمر تلك الطبقة".

ونفى سلام أن يكون علم الحفريات علما مجردا، مؤكدا على أهميته التطبيقية ودوره في الحياة اليومية موضحا "علم الحفريات له الكثير من التطبيقات، هو أولا عماد علم الجيولوجيا، هو أصل البترول مثلا، البترول هو بالأساس وقود حفري بمعنى أنه تكون من الحفريات، كان لابد من دراسة الحفريات للتوصل للبترول، البترول الذي هو أساس الصناعة والتكنولوجيا اليوم أصله عند علم الحفريات، فالحفريات تحدد طبقات الأرض الأحدث والأقدم".

وأضاف سلام "قيمة أخرى لعلم الحفريات، أنها أساس علم التطور، التطور الذي أصبح علما أساسيا اليوم أصله لدى علم الحفريات، وبدون علم الحفريات لم يكن بالإمكان التوصل للتطور وكيف حدث. أمر آخر علم الحفريات دخل في صناعة السينما والسياحة، أي دولة اليوم بها متحف للتاريخ الطبيعي وبه نماذج للكائنات الحية التي مرت بهذا البلد".

وأكد سلام "ولكن الأهم من التطبيقات المباشرة، هو شغف العلم، والذي يظهر بوضوح لدى الأطفال بالذات، هنا في قسم الحفريات يأتي أطفال من محافظات بعيدة ليروا حفريات من ملايين السنين، وبالذات حفريات الديناصورات التي تجذب الأطفال لما بها من خيال وإدهاش، علم الحفريات من العلوم التي تتميز بالشغف، وفي الغرب يستغل هذا الشغف في تطوير مهارات الأطفال، وتنمية حب المعرفة والاكتشاف لديهم. هناك متاحف خاصة بالأطفال لتنمية المهارات وحب المعرفة".

وأشار سلام إلى الطابع البسيط لتقنيات البحث عن الحفريات وقال "لا يوجد تقنيات خاصة لاستكشاف علم الحفريات، علم الحفريات استفاد كأي علم من الطفرة التقنية في العالم، ولكن لا توجد آليات لكشف ما بداخل الأرض من حفريات، وذلك لسبب بسيط، وهو أن الحفريات التي نكشفها ليست مادة عضوية، الحفريات هي عظام دفنت في التربة وترسبت بها عناصر التربة فأصبحت متجانسة معها، وبالتالي لن تكشفها أي نوع من الأشعة، موجات الأشعة تميز بين وسطين مختلفين، ولكن تكوين الحفريات من نفس عناصر التربة فلا يمكن أن تكشفها أي موجة".

ولفت سلام أنّه في كل العالم يعتمد البحث عن الحفريات على الوسائل اليدوية المباشرة من دون فروقات تقنية هامة فيما عدة جهاز الأشعة المقطعية الدقيقة الذي لا يتوفر في مصر وهو الذي يساعد تقنيا في كشف الحفريات.

نجاح يذلل العقبات

تحدث سلام عن العقبات التي تواجه فريقه وأوضح كيف أسهمت اكتشافات فريق جامعة المنصورة للحفريات في تحسين ظروف البحث وحل مشكلات الفريق وقال "قبل اكتشاف ديناصور (منصوراصورس) كان التمويل عائق أساسي أمامنا، بعد هذا الاكتشاف أصبح المجتمع المحلي أكثر اقتناعا بأهمية عملنا وحصلنا على تمويل من جامعة المنصورة والجامعة الأميركية وحصلنا على تمويل لتطوير مركز الحفريات من أكاديمية البحث العلمي، حاليا لا توجد لدينا مشكلات كبيرة، بالتأكيد ليس كما في الغرب ولكن لا يوجد عائق تمويلي أمامنا حاليا".

وفي تعليقه على الخلافات الثقافية والدينية التي تثيرها نظرية التطور أكد سلام على موضوعية العلم وعدم انتمائه أو انحيازه لأي أيديولوجية موضحا "العلم ليست آرائي، هي أراء العلم، وأنا أعمل في تخصص علمي، مثلما أضرب مثل للناس أن من صنع العلم ومن كتب العلم علماء من كافة الأديان لأيديولوجيات والثقافات العلم ملك للجميع، العلم له لغة واحدة وهي لغة غير أيديولوجية، العلم ملك الجميع، والدين أو الأيدولوجيا أو الثقافة ملك لأصحابها، لا أحد يتحدث في العلم بخلفية دينية أو ثقافية لغة العلم واحدة".

وأضاف سلام "العلم شيء والدين شيء آخر، العلم لا يؤمن بالغيبيات، يجب أن تكون هناك أدلة، العقائد جميعها مبنية على الغيبيات، لو وضعنا للعلم رداء ديني سيخرج من معناه الأصلي، لأنه سيكون موجه وأساس العلم هو البحث عن المعرفة، الفصل بين الدين والعلم أمر أساسي وإلا كل صاحب دين أو أيديولوجية سيلوي العلم لخدمة معتقده".

وأشار سلام إلى الصعوبات التي يواجهها البحث العلمي في مجتمع محافظ "الفريق لدينا به نسبة كبيرة من الزميلات، وهو ما خلق مصاعب كبيرة في مجتمع تقليدي محافظ، فطبيعة عملنا تستدعي السفر لفترات طويلة لمناطق نائية، نختار أعضاء الفريق بناء على شغف الطالب، واجهتنا صعوبات كبيرة من أهالي الطالبات والباحثات، ولكن النجاح الذي تحقق خفف تلك الصعوبات كثيرا، كان لدينا طالبة تجد معارضة شديدة من أهلها، واليوم أهلها يتدخلون لدى أهالي طالبات أخريات لإقناعهم بأهمية عملنا وهذا نتيجة النجاح الذي تحقق فالأهالي شاهدوا إنجازات أبنائهم وعملية بناء الثقة التي تمت نج

نظرية التطور.. شجرة الحياة في قمتها الإنسان

شدد سلام على أهمية نظرية التطور وتطبيقاتها المباشرة موضحا "نظرية التطور لها نتائج هامة جدا، من المنظور الواسع لعلم الحفريات الإنسان متحدر من أسلاف، ودراستنا لهذه الأسلاف يمكن أن تعالج أمراض، التاريخ التطوري يساعد على فهم الإنسان وتركيبه وبالتالي إيجاد الكثير من الحلول لمشاكل الإنسان الصحية"

وتابع سلام "مثلا دراسة علم التطور البيولوجي وفر للإنسان حيوانات التجارب، لو لم يكن هناك شبه بين الإنسان وأسلافه لم يكن بالإمكان وجود ما يسمى حيوانات التجارب والكثير من المنتجات الطبية تعتمد على الشبه بين تركيب الإنسان والحيوانات المختلفة، التاريخ التطوري للإنسان هو عماد علم البيولوجي، وعلم الحفريات هو عماد التطور".

وتحدث سلام عن نظرية التطور مبسطا إياها وقال "لا يمكن النظر لمسار التطور كسلم صاعد، بمعنى تطور منتظم من كائن لآخر من أدنى السلم لأعلاه، ولا كخط منحني يصعد ويهبط، التصور الأفضل للتطور هو أنه شجرة لها فروع، والشجرة تبدأ من الكائن البسيط وحيد الخلية لكائن أكثر تعقيدا ثم أكثر تعقيدا وهكذا، التطور ليس خط مستقيم صاعد أو هابط ولكنه شجرة الحياة المبنية على أساس علمي، على فروع الشجرة فروع للنباتات واللافقاريات والفقاريات، والفقاريات تتفرع لأسماك وديناصورات وثدييات والثدييات تتفرع لفيلة وحيتان وقردة، ونحن البشر هنا في آخر الشجرة، ولو اعتبرنا أن ع�

�ر هذه الشجرة يوم فنحن البشر موجودون عليها في آخر ثانيتين فقط، ويمكن أن نعتبر الرئيسيات مثلا موجودة في آخر خمس دقائق من اليوم".

وتابع سلام "السجل الجيولوجي من بداية برود الأرض وتكون الحياة عليها لا نجد فيه سوى الكائن أحادي الخلية، وكانت تعيش منفردة، وبعد ذلك تطورت وفق تسلسل الطبقات الجيولوجية، الطبقات الأولى التي ترسبت تحمل آثار للحياة على هيئة كائنات وحيدة الخلية، وعندما نصعد لطبقات أحدث نجد الكائنات وحيدة الخلية وآثار لكائنات عديدة الخلية، نصعد لطبقات أحدث نجد آثار الحياة المعقدة، مثلا أصداف وإسفنجيات، بعد ذلك بدأت تتخذ الحياة أشكالا أخرى، في الطبقات الأحدث تظهر فيها الأسماك في صورتها الأولى، وفي طبقات أحدث نجد الأسماك تطورت لتظهر لها زعانف أمامية ثم خلفية، �

�لعلم يثبت أن الكائنات الحية لم توجد دفعة واحدة كما هي حاليا".

منخفضات مصر كنوز تنتظر الكشف

واعتبر سلام أن علم الحفريات له مستقبل واعد في مصر موضحا "مصر من أغنى مناطق إفريقيا بالحفريات، ونحن لحقنا بركب العلم مؤخرا في هذا الصدد، أول حفرية اكتشفت في مصر كانت 1879 من حوالي قرن ونصف، وأول حفرية من المركز وفريقه بعد عام 200، وكان هناك فريق أميركي يأتي سنويا لمصر من 1961 حتى 2012 لدراسة الحفريات الفقارية، وكانوا يأخذون نصف الحفريات المكتشفة".

وتابع سلام "مصر بها حفر كثيرة في القشرة الأرضية، وهي المنخفضات، والتي يظهر بها ما يشبه المقطع الرأسي للطبقات الجيولوجية، يظهر الطبقات الجيولوجية المتتالية، وكلما كانت الحفرة أعمق ظهر بها طبقات أقدم زمنيا، منخفض القطارة مثلا يسجل زمن ممتد لعشرين مليون سنة، منخفض الفيوم يسجل صخور عمرها من 30 لـ40 مليون سنة منخفض الواحات البحرية 100 مليون سنة منخفض الوادي الجديد 70 مليون سنة. عندما ننزل مع المنحدر ننزل في الزمن أيضا وليس في المكان فقط".

وأضاف سلام "عندما ننزل في الفيوم نكون في أرض الديناصورات. لذلك يمكن القول أن خريطة البحث لدينا هي المنخفضات الموجودة في مصر منخفض الفيوم ومنخفض القطار ومنخفض الواحات ومنخفض الوادي الجديدة وغيرها".

وتحدث سلام عن عدد من الكشوف الحديثة التي حققها فريقه موضحا "لدينا كشوفات كل سنة تقريباً، هذا العام شاركنا في أكبر مؤتمر عالمي لتوثيق الحفريات الفقارية، لدينا ديناصور جديد ولدينا حوت برمائي واسلاف الضباع وأجداد التماسيح وعندنا نسجل الآن بقايا لسحالي تشبه الثعابين لأنها بدون أطراف وآخر كشف نسجله، هو أقوى احتباس حراري حدث في التاريخ من 55 مليون سنة لدينا أدلة وثقناها والبحث قيد النشر".

أفكارك وتعليقاتك