سوريا .. عقد كامل من الحرب دمر الاقتصاد وأنهك كاهل المواطن وذكريات الماضي ما زالت حاضرة

(@FahadShabbir)

سوريا .. عقد كامل من الحرب دمر الاقتصاد وأنهك كاهل المواطن وذكريات الماضي ما زالت حاضرة

( أردو بوینت نتورك‎‎‎ ۔ / سبوتنيك - 30 مارس 2021ء) محمد معروف. مر عقد كامل من الزمن على الصراع الدموي في سوريا، التي ما زالت تلازمها المآسي والآلام والأحزان، وتطغي على حاضرها صور القتل والتعذيب والدمار والتهجير؛ حتى وصف المراقبون هذا البلد بـ "الأكثر سخونة" على الخارطة الجيوسياسية الدولية.

وقد تكون سوريا شهدت، خلال العشر سنوات الأخيرة، ما لم يشهده أي بلد في العالم، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في العام 1945.

شلت الأزمة اقتصاد البلاد، وأصابت السوريين في معيشتهم وأثقلت كاهلهم، وبالكاد يتمكن عشرون بالمئة منهم مواصلة الحياة في ظروف شبه طبيعية.

وبحسب برنامج الغذاء العالمي، في تقريره الأخير، فإن السوريين باتوا يعيشون "أسوأ ظروف إنسانية منذ بداية الأزمة"؛ اذ يعاني قرابة 60 بالمئة منهم على الأقل، من انعدام الأمن الغذائي والجوع أحيانا.

(تستمر)

وقال ممثل البرنامج ومديره الإقليمي في سوريا شون أوبراين، "تسببت الأزمة في خسائر فادحة للسوريين، الذين باتوا يواجهون خيارات مستحيلة. وبدون المساعدة المستمرة لن تتمكن معظم الأسر السورية من البقاء على قيد الحياة".

الجوع وانعدام الأمن الغذائي

تضاعف عدد السوريين الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي، منذ العام 2018؛ وذلك ارتباطا بالارتفاع الذي أصاب أسعار المواد الغذائية، والذي تجاوز 200 بالمئة خلال العام الماضي فقط.

وأصبح نحو 12.4 مليون شخص يعيشون داخل سوريا بلا طعام، ويكافحون بشكل يومي لإيجاد ما يسد رمقهم؛ فيما يحتاج نحو 14 مليون شخص لمساعدات إنسانية.

مأساة الأطفال السوريين

لعل من أهم الإفرازات السلبية للحرب السورية، هي مأساة الأطفال في هذا البلد؛ حيث يعاني نحو 60 بالمئة منهم الجوع؛ حسبما ذكر تقرير منظمة "أنقذوا الأطفال" البريطانية، الذي كشف أن نحو 50 بالمئة من هؤلاء الأطفال يفتقرون إلى التعليم.

استولت المنظمات المسلحة على أكثر من 30 بالمئة من المدارس في سوريا، وحولتها إلى قواعد عسكرية وأماكن تجمعات ومستودعات للأسلحة والمعدات.

وعلى الصعيد الاقتصادي أفرزت الأزمة اقتصادا متهالكا مستنزفا، بعدما أتت على أكثر من ثلثي البنية التحتية، وحولت معظمها إلى أثر بعد عين؛ فيما يحتاج تأهيل الباقي عشرات المليارات لإعادتها إلى ما كانت عليه قبل العام 2011.

وبحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن الاقتصاد السوري مني بخسائر بأكثر من 600 مليار دولار، منها 91.5 مليار دولار خسائر تكبّدها قطاع البترول وحده.

وفقا لوزير النفط والثروة المعدنية السوري بسام طعمة، سجل 19.3 مليار دولار خسائر بالمعدات النفطية، و3 مليار دولار خسائر مباشرة بسبب قصف طيران التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

وأشار الوزير السوري إلى أن المناطق التي تسيطر عليها الولايات المتحدة في منطقة الجزيرة السورية، تحوي على ما يزيد عن 90 بالمئة من الاحتياطي النفطي السوري.

عانى القطاع النفطي خلال الأزمة، وتوقفت نحو 70 بالمئة من محطات الكهرباء وخطوط إمداد الوقود عن الخدمة، كما انخفض إنتاج الغاز الطبيعي من 34 مليون متر مكعب إلى 17.5 مليون متر مكعب حتى نهاية 2019؛ كما أفادت بيانات صادرة عن الحكومة السورية.

العقوبات الأميركية

شددت الولايات المتحدة عقوباتها على الحكومة والأفراد في سوريا، تحت مسميات مختلفة، أبرزها "قانون قيصر"؛ فانخفض سعر الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، بأكثر من 98 بالمئة.

ونتيجة لذلك، تدنى متوسط الراتب الشهري لموظفي القطاع العام إلى أقل من 10 دولارات، منذ مطلع العام الجاري، و50 دولارا لموظفي القطاع الخاص؛ بعدما كان معدل الأجر الشهري يتراوح بين 300 إلى 600 دولار قبل الأزمة.

وتضاعفت تكلفة معيشة الفرد السوري عشرات المرات، خلال سنوات الأزمة؛ ولم تنجح محاولات الحكومة في سد الفجوة الكبيرة بين دخل الفرد ومتطلبات معيشته، رغم عدة زيادات على الرواتب، والمنح والتعويضات وتخفيض ضريبة الدخل وغيرها. واقتربت كلفة السلة الغذائية الأساسية للأسرة السورية، المكونة من خمسة أفراد، من نحو 140 دولارا؛ وهو ما يفوق متوسط الراتب بنحو 14 مرة.

تهاوي العملة الوطنية بفعل مؤثرات داخلية وخارجية

وعانت العملة المحلية (الليرة السورية)، ككل شيء في هذا البلد، من ويلات الحرب والعقوبات؛ ما أثقل كاهل المواطن، وزاد من تعقيدات المعيشة.

وأدت الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان المجاور، إلى تشديد الخناق على الاقتصاد السوري الذي ارتبط بنظيره اللبناني، لاسيما خلال الأزمة؛ وغدا لبنان بوابةً لصفقات استيراد سلع ومستلزمات إنتاجية للسوق السورية.

وبلغ حجم ودائع القطاع الخاص السوري غير المقيم لدى المصارف التجارية اللبنانية نحو 32.5 مليار دولار، في نهاية 2019؛ يستفيد أصحابها من الفوائد، وينفقون جلّها في بلادهم مستفيدين من فارق الأسعار.

وتسببت الأزمة المالية في لبنان، والتشديد على المصارف اللبنانية وعلى الحدود اللبنانية مع سوريا، في تضييق الخناق على سوق الصرافة السورية؛ ما فرض ضغوطًا متزايدة على الليرة السورية وحدوث نقص لبعض السلع في الأسواق السورية.

واقتصرت السياسات الحكومية لإنقاذ الليرة السورية، على إغلاق شركات الصرافة والتضييق على المتعاملين بغير العملة الوطنية؛ علاوة على إجراءات "إسعافية"، مثل تحديد قائمة المستوردات ذات الأولوية لضبط تسعير السلع المستوردة.

وتزامنت الأزمة مع تفشي فيروس كورونا (كوفيد 19)، وحلول الجفاف؛ ناهيك عن استفحال الفساد، واستمرار تحكم القوات الأميركية وميليشيا تنظيم "قسد" الكردي المرتبط بواشنطن، على موارد النفط.

سوريا عشية قرع طبول الحرب

يستمر الحال في سوريا بالتراجع وتتواصل معاناة المواطنين، في هذا البلد، الذي كان اقتصاده يوصف بأنه من أكثر اقتصاديات الدول النامية تنوعا وتطورا.

ووفق بيانات الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والمكتب المركزي السوري للإحصاء، فإن السوريين في حقبة ما قبل الحرب، كانوا يصنعون نحو 85 بالمئة من غذائهم وأدويتهم وألبستهم؛ ويصدرون فائض إنتاجهم إلى أكثر من 60 دولة.

كانت سوريا، قبل 2011، تنتج نحو 450 ألف برميل نفط يوميا؛ تكفي الحاجة المحلية ويصدر منها نحو 150 ألف برميل يوميا تدر على خزينة الدولة نحو 6 مليارات دولار سنويا.

عرفت سوريا، وفقا للتقرير، بأنها ضمن البلدان الخمسة الأولى في العالم بإنتاج القطن وتربية الأغنام؛ والأبقار؛ وكانت حقول السوريين تنتج بين 3.5 إلى 6 ملايين طن سنويا من الحبوب.

وقبل اندلاع الصراع في سوريا، عام 2011، كانت البلاد، التي تزخر بالآثار والإرث الإنساني وعراقة التاريخ، قبلة لثمانية ملايين سائح من مختلف أنحاء العالم.

كل ذلك كان في ماضي الزمن قبل اندلاع الأزمة؛ لكن الحاضر ما زال يفرض وجوده، و"الحرب على الإرهاب" في سوريا لم تضع أوزارها بعد.

أفكارك وتعليقاتك