انتخابات الرئاسة والبرلمان في ليبيا بين مطرقة الخلافات الداخلية وسندان الضغوطات الدولية

انتخابات الرئاسة والبرلمان في ليبيا بين مطرقة الخلافات الداخلية وسندان الضغوطات الدولية

( أردو بوینت نتورك‎‎‎ ۔ / سبوتنيك - 06 سبتمبر 2021ء) نادر الشريف . رغم إصرار المجتمع الدولي والبعثة الأممية للدعم في ليبيا على أن الطريق الوحيد لحل الأزمة الليبية هو الذهاب لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول نهاية العام، وحث المجتمع الدولي والبعثة الأممية الأطراف الليبية على الالتزام بخارطة الطريق وبموعد أجراء الانتخابات القادمة، إلا أن هذا الاستحقاق يواجه عقبات كثيرة وتحديات، أهمها عدم توحيد المؤسسة العسكرية والمناصب السيادية في ليبيا​​​.

وقال مقرر عام الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي، رمضان اتويجر، في حديث مع وكالة سبوتنيك، حول مصير الانتخابات القادمة وعدم التوصل إلى القاعدة الدستورية التي ستجرى عليها الانتخابات، إن "عدم التوصل إلى قاعدة دستورية كان أمرا متوقعا وحتميا حتى قبل تصويت لجنة الحوار بسويسرا على الحكومة، وكنت قد اقترحت على البعثة التصويت على القاعدة الدستورية قبل التصويت على تشكيل الحكومة في الحوار، أو التصويت عليهما في وقت واحد، إلا أنهم لم يصغوا لما نقول".

(تستمر)

وأتهم  أتويجر "البعثة الأممية بأنها لها دور رئيسي في فشل ليبيا وهذه الأزمات المستمرة"، مضيفا، "صرحت منذ تحديد البعثة لموعد الانتخابات العامة دون الاتفاق على القاعدة الدستورية إن ما حدث ما هو إلا لذر الرماد في العيون، وها قد وصلنا لما توقعناه سابقا، 24 ديسمبر قد اقترب، وللأسف لا انتخابات في ظل الصراعات الدولية والمحلية للسيطرة على ليبيا".

وتابع "كل ما نخشاه، في حال عدم حصول انتخابات، دخول ليبيا في مرحلة أخرى من مراحل الصراع واتساع دائرة الصراع حول ليبيا دوليا ومحلياً"، مضيفاً أنه "قبل العام 2017 كان التنافس بين القوى الغربية الفرنسيين ومن معهم من جهة، والإيطاليين ومن معهم من جهة أخرى ، لكن بعد العام 2017 امتد الصراع لنشهد التدخل التركي والروسي، ومن المتوقع أن نشهد تدخلا صينيا وإيرانيا لتصفية حسابات دولية في مناطق أخرى من العالم".

وأوضح مقرر عام الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي أن "عدم اتفاق الدول على إخراج قواتها من ليبيا، أو عدم اتفاقهم على تقاسم المصالح بينهم وبين الدولة الليبية، وفق مبدأ تبادل المصالح واحترام سيادة الدول، قد يشجع هذه الدول لتشجيع أطراف ليبية لمهاجمة أطراف دولية، وتقديم الدعم اللوجستي لها للقيام بذلك، كما هو حاصل في العراق وحصل فيما سبق في أفغانستان".

ورأى أتويجر أن "ليس أمام الحكومة ومجلس النواب إلا الاتفاق والوفاق بينهما لإنقاذ البلد مما هو متوقع" .

من جهة أخرى، يقول المحلل السياسي الليبي، فرج فركاش، إن عدم قبول المجتمع الدولي لترشح سيف الإسلام القذافي يعطي دلالات واضحة عن مخاوف الولايات المتحدة الأميركية من أن الاستقرار في ليبيا لن يتحقق إذا عاد سيف للساحة السياسية.

وحول تصريحات جوي هود، مساعد وزير الخارجية الأميركية بالوكالة، بأن بلاده سيكون لديها إلى جانب المجتمع الدولي الكثير من المشاكل إذا كان سيف الإسلام القذافي رئيسا، أكد فركاش على أن "ما قاله جوي هود خلال تصريحاته الأخيرة بخصوص عدم قبول المجتمع الدولي لترشح سيف الإسلام القذافي يعطي دلالات واضحة على التباين في وجهات النظر ( الأميركية و الروسية ) في من له الحق في الترشح للرئاسة في الانتخابات المرتقبة"، مشيرا إلى ما وصفه بـ "مخاوف أميركية من أن الاستقرار المنشود في ليبيا لن يتحقق إذا عاد سيف للساحة السياسية في الوقت القريب، ولعل المبادرة الأميركي�

� المسربة مؤخرا بشأن إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية متدرجة، والتي لم تتأكد بعد، هي خير دليل".

وأضاف "ربما أكدت هذه المخاوف تغريدة السفير والمبعوث الأميركي الأخيرة، وحثه للأطراف السياسية على ضرورة الوصول إلى حل وسط في ما يخص التوافق على قوانين انتخابية تكون مرضية لمعظم الأطراف لإنقاذ موعد الانتخابات وما تحقق في خارطة الطريق".

ورداً على سؤال وكالة سبوتنيك بشأن الاتهامات المتبادلة بين الأطراف الليبية فيما بينهم بعرقلة الجهود الرامية إلى الوصول لموعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، وأولها عدم الوصول إلى قاعدة دستورية، بالإضافة إلى التأخير في اعتماد، أو التصويت على، قانون انتخاب الرئيس، أوضح المحلل السياسي الليبي أن "هذه القوانين الآن أصبحت بين شد وجذب، ورأينا محاولة المستشار عقيلة صالح احتكار صياغة وسن هذه القوانين بعيداً عن مجلس الدولة كما ينص الاتفاق السياسي في المادة 23 وكما تنص خارطة الطريق في المادة الرابعة ، وبعيدا أيضا عن ملتقى الحوار السياسي

الذي تنص فيه خارطة الطريق على أن سن مثل هذه القوانين يؤول إليه في حال فشل المجلسين في التوافق".

وتابع "لكن في المقابل، رأينا أيضا انسدادا واضحا في ملتقى الحوار السياسي في الوصول إلى قاعدة دستورية، وسنرى إن كان هذا سيتحقق في الاجتماع القادم المزمع عقده في منتصف هذا الشهر".

واعتبر فركاش أن "كل الزيارات الخارجية الحالية للمستشار عقيلة صالح تعتبر، نوعا ما، عبثية، لأن التركيز على العمل يجب أن يكون في الداخل، وإن كانت هناك نية صادقة في عقد الانتخابات في موعدها، فعلى البرلمان أن يكون في انعقاد دائم بدلا من مضيعة الوقت سواء في زيارات خارجية أو في مناقشة أمور جانبية مثل موضوع استجواب حكومة بدون ميزانية واضحة، والتهديد بسحب الثقة منها في هذا الوقت الحساس، والذي يتطلب موافقة وتصويت 120 من النواب حسب المادة 30 من الإعلان الدستوري".

وأضاف فركاش أن "عقيلة يعلم أن الحكومة تم تعيين الكثير من وزرائها ووكلائها بتزكيات من أعضاء البرلمان أنفسهم ، وأن سحب الثقة منها يتطلب أيضا توافقا مع مجلس الدولة وفق الاتفاق السياسي ، وهذا حاليا صعب المنال"، مضيفاً أن "ذلك نتيجته سواء بقصد أو بغير قصد ستكون هي تعطيل الوصول إلى الانتخابات في موعدها".

فيما يرى رئيس مؤسسة سلفيوم الليبية للدراسات والأبحاث، جمال شلوف، أن "المجتمع الدولي الذي تدخل عسكريا في ليبيا 2011 سيكون متحفظا على وصول أي من عائلة القذافي للسلطة، مما يرجح احتمال قيامهم بعمليات انتقامية ضد خصومهم في 2011 المحليين وحتى الدوليين، خاصة في ظل غياب الاستقرار السياسي والمؤسسي، والتوتر الاجتماعي وانتشار الفوضى والسلاح في ليبيا،  والغياب الكامل لمشروع حقيقي للمصالحة الوطنية أو حتى وقف لخطاب الكراهية بين الفئات الليبية، ومن بينها أنصار سيف القذافي"، وفق نظريته.

وأكد شلوف في تصريحات لوكالة سبوتنيك على أن "الجمهوري جوي هود يمثل رأيه فقط في هذه التصريحات من جانب التحليل السياسي، وليس صناعة القرار".

وأضاف أن "من باب الواقعية، علينا أن نقر بأن المجتمع الدولي، بدءا من برلين الأولى، وليس انتهاء بوضع خارطة الطريق من لجنة الحوار السياسي التي شكلتها بعثة الأمم المتحدة في تونس، هو من ضغط على جميع الأطراف نحو إقرار موعد انتخابي في 24 كانون الثاني/ديسمبر، ولا زال الضغط الدولي مستمرا نحو إنتاج قاعدة دستورية، وهو ما نجح جزئيا باعتماد البرلمان لاستحقاقات المرحلة الانتقالية الثالثة، واعتماد القرار رقم 5 لسنة 2014 بانتخاب رئيس للدولة، والتصويت على فقرات قانون لتنفيذه".

وأوضح شلوف "لو استمرت الإرادة الدولية في الضغط نحو تنفيذ الاستحقاق الانتخابي في موعده، وتنفيذ إجراءات قرار مجلس الأمن 1970 على المعرقلين، والتشديد على محاولات زعزعة الأمن في غرب ليبيا لتأجيل الانتخابات، فإن الانتخابات ستنفذ في موعدها"، مشيراً "إذا غابت الإرادة الدولية فسوف نشهد بلا شك انقساما سياسيا وعودة للتعامل السياسي الخشن".

و بشأن الاتهامات التي برزت أخيراً بين الأطراف الليبية المتمثلة في حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومجلس النواب الليبي برئاسة المستشار عقيلة صالح، حول الميزانية وتجاوزات وتعطيل عمل الحكومة، قال شلوف إن "الحرب الإعلامية بين الدبيبة والبرلمان هي واجهة لصراع النفوذ، فالحكومة التي ترغب في ميزانية تنمية غير مبندة تهدف لمواربة حقيقة أنها استكمال لمشاريع جهاز تنمية المراكز الإدارية الذي كان يرأسه علي الدبيبة، ويعتبر عبد الحميد أحد أركانه، وبين البرلمان الذي يرى أن الحكومة لو نالت الميزانية فسينتهي دوره الضاغط والمبتز نهائي�

�. لكن في ذات الوقت، وبالرغم من هذا التلاسن، قد يصل الطرفان إلى تفاهم ما في حال تأجيل الانتخابات، لأن كلا الطرفين سيكونا وقتها مستمرين ومتمددين حتى ميزانية العام التالي".

ويتوقع شلوف أن "الزيارات الخارجية، وحتى اللقاءات والاتصالات تنصب حاليا بشكل أساسي على جهود للوساطة بين الحكومة والبرلمان للوصول إلى تسوية معينة"، مضيفا، "لكن أكاد أجزم أن موعد الاستحقاق الانتخابي هو العامل الأساسي لتحقيق أو عرقلة هذه التسوية".

واختتم حديثه بالقول بأن "اقتراب الموعد الانتخابي، واقتراب انتهاء مدة الحكومة التي وضعها البرلمان وقرار مجلس الأمن 2570 يوم 24 ديسمبر، يعني فشل هذه الوساطات. أما بخصوص دعم الانتخابات، فلا شك أن التصريحات من الأطراف الليبية المختلفة في دعم الانتخابات هي عكس السلوك الذي تمارسه هذه الأطراف في السعي لتمديد وجودها في السلطة الذي يهدده الاستحقاق الانتخابي".

ومنذ آذار/مارس الماضي، تسلم المجلس الرئاسي الجديد برئاسة محمد المنفي، وحكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، مهماهم في ليبيا؛ وذلك وفق خطة توصل إليها منتدى الحوار الليبي، برعاية الأمم المتحدة، لإدارة شؤون البلاد، والتحضير لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.

وأنهى انتخاب السلطة المؤقتة انقساما في ليبيا، منذ العام 2015، بين الشرق مقر البرلمان المنتخب المدعوم من الجيش الوطني الليبي، وبين الغرب مقر حكومة الوفاق المعترف بها دوليا (سابقا).

وبرزت خلافات بين الأطراف الليبية قد تؤدي إلى إعادة سيناريو الانقسام بين المؤسسات - بعد إخفاق ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف حول الاتفاق على قاعدة دستورية- وعدم إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها المقرر في 24 كانون الأول/ديسمبر نهاية العام.

أفكارك وتعليقاتك