ثلاثة عقود على انهيار الاتحاد السوفيتي.. غياب يؤلم الضعفاء

(@FahadShabbir)

ثلاثة عقود على انهيار الاتحاد السوفيتي.. غياب يؤلم الضعفاء

( أردو بوینت نتورك‎‎‎ ۔ / سبوتنيك - 26 ديسمبر 2021ء) مصطفى بسيوني. بعد ثلاثين عاما على انهيار الاتحاد السوفيتي، الذي كُتبت نهايته في 26 كانون الأول/ديسمبر 1991، لا تزال آثار غيابه ممتدة حتى اليوم.

فالنظام العالمي الذي انهار مع انهيار الاتحاد السوفيتي، انهارت معه الكثير من التوازنات الدولية، وتحول العالم من ثنائي القطبية، بوجود قوتين عظميين على توازنه، إلى نظام جديد تتحكم فيه قوة واحدة، هي أميركا.

ورغم استعادة روسيا لتماسكها بعد سنوات من الغموض، وصعود الصين، إلا أن التوازنات القديمة لم تعد للعالم مرة أخرى، فالقواعد كانت تغيرت بالكامل، وقوانين جديدة أصبحت تحكم العالم.

واعتبر مساعد وزير الخارجية المصري السابق حسين هريدي،  في تصريحات لسبوتنيك أن عودة أقطاب متعددة ومتنافسة في النظام العالمي لا تعني بالضرورة عودة الحرب الباردة التي شهدها العالم قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، قائلا "في وجود الاتحاد السوفيتي عقب الحرب العالمية الثانية وحتى مطلع التسعينات شهد العالم ما سمي بالحرب الباردة، والتي اعتمدت على سياسة الردع بين القوتين العظميين في العالم، والتي يمكن اعتبارها صراع بلا صدام مباشر، الصراع بين الاتحاد السوفيتي وأميركا شهد مختلف الوسائل، وشمل أيضا كافة أنحاء العالم، ولكن دون صدام بين القوتين التي تست�

�يع كل واحدة منهما استخدام السلاح النووي الذي يعني دمار العالم".

(تستمر)

وتابع هريدي "تزامنت الحرب الباردة مع حركة التحرر في دول العالم الثالث من الاستعمار الغربي، دول العالم الثالث دفعت ثمنا باهظا للحرب الباردة، مثلا مصر في 1967. اليوم لا يمكن الحديث عن حرب باردة، هناك تنافس بالطبع، ولكن العولمة وثورة الاتصالات والمعلومات أدت لتغيير المعادلة، التنافس على النفوذ والتأثير من جانب أميركا من ناحية والصين وروسيا من ناحية لا يصل لمستوى الصراع الذي شهدته الحرب الباردة، وهو ما عبر عنه (الرئيس الأميركي جو) بايدن بالفعل".

ويرى هريدي أن صعود روسيا يمثل استعادة جزئية لمكانة الاتحاد السوفيتي قائلا "سقوط الاتحاد السوفيتي في 1991 أخرج روسيا لفترة من المعادلة الدولية، وشهدت روسيا في التسعينات ارتباكا ومرحلة تحول، يمكن القول أن روسيا كانت في مرحلة انتقالية حتى عام 2000، وتقديري أن المرحلة الانتقالية انتهت بانتخاب الرئيس الروسي (فلاديمير) بوتين عام 2000، لتبدأ مرحلة جديدة من بناء روسيا وعودتها كقطب في النظام الدولي".

وأضاف هريدي "بالطبع لا يمكن اعتبار أن روسيا حلت محل الاتحاد السوفيتي بالكامل، ولكن جزئيا، روسيا التي عادت أقرب إلى روسيا القيصرية وليس الاتحاد السوفيتي، فالاتحاد السوفيتي لم يكن فقط قوة عظمى دولية، ولكن كان أيضا قوة أيديولوجية، روسيا اليوم لا تحمل نفس الأيديولوجية السوفيتية، لذا فنحن نتحدث عن تنافس بين القوى الكبرى، وليس الصراع الذي فرضته الأيدولوجية السوفيتية، روسيا اليوم لها دور في أوروبا وآسيا مثلما كانت روسيا القيصرية، روسيا لها بالطبع امتداد ونفوذ في أسيا وأفريقيا، ولكن دون الغطاء الأيديولوجي السوفيتي".

وتطرق هريدي إلى التأثير الدرامي لانهيار الاتحاد السوفيتي على الدول النامية، التي دعمها السوفيت قائلا "انهيار الاتحاد السوفيتي أضعف قدرة الدول النامية على المناورة، نتذكر مثلا الدور الذي لعبه الاتحاد السوفيتي إلى جانب مصر في فترة الخمسينات والستينات، في مواجهة العدوان الثلاثي بالذات، كذلك في دعم سياسة التصنيع المصرية، وبناء السد العالي".

وأوضح "دول العالم الثاني فقدت حرية الحركة والقدرة على مقاومة ضغوط القوى الغربية والرأسمالية المتحكمة في العلاقات الدولية، كل هذه الدول دفعت ثمن انهيار الاتحاد السوفيتي، وأجبرت على اتباع سياسات اقتصادية قاسية، وأصبحت من ضحايا العولمة، وأصبح هناك نموذج تنموي موحد تفرضه مؤسسات التمويل الرأسمالية، وغاب البديل الذي كان الاتحاد السوفيتي يمثله كملاذ للدول النامية".

وأكد هريدي أن قواعد المنافسة اليوم قد تغيرت بالكامل قائلا "الصين وروسيا لا يمكن أن يمثلا بديلا للاتحاد السوفيتي، لأنهما لا يملكان نفس الرؤية ونفس التوجه الأيديولوجي، كما أن الصين وروسيا حاليا في موقع الدفاع عن الذات في مواجهة الضغوط الأميركية وهو ما لا يؤهلهما للوقوف إلى جوار العالم الثالث، والتي أصبحت مقيدة في حركتها في المشهد الدولي المعقد".

وفي ذات السياق، اتفق الخبير العسكري المصري صفوت الزيات مع ساعد وزير الخارجية المصري السابق حسين هريدي، في أثر انهيار الاتحاد السوفيتي على الدول النامية، قائلا في تصريحات لسبوتنيك "انهيار الاتحاد السوفيتي أدى لخلل كبير في النظام الدولي، فمثلا بالنسبة لمصر كان للاتحاد السوفيتي دور كبير في إعادة بناء وتسليح القوات المسلحة المصرية عقب حرب 1967".

ونوه الزيات بأنه "كانت هناك فرصة للمناورة بين القوتين العظميين، وهو ما انتهى بانهيار الاتحاد السوفيتي، وأصبحت الدول النامية ضحية للنظام الأحادي القطب، هذا النظام أثر بشدة على الصراع العربي الصهيوني والقضية الفلسطينية، وأعادت أميركا تشكيل المنطقة، غزو العراق وغزو أفغانستان، والضربات الإسرائيلية المتتالية على غزة، هناك خلل واضح خلفه انهيار الاتحاد السوفيتي، ولا زلنا نعاني من الكارثة الجيوسياسية التي خلفها غياب الاتحاد السوفيتي".

ودلل الزيات على دعم السوفيت للدول النامية عبر سياسة التسليح قائلا "منهج الاتحاد السوفيتي في تسليح حلفائه كان لا يضع الاقتصاد والعوامل التجارية كأولوية، لم يكن الاتحاد السوفيتي مجرد تاجر سلاح، وهو ما ضمن للدول النامية ببناء قدرات دفاعية جيدة، الغرب كان يعتمد المنهج التجاري في التسليح، وليس هذا فقط، أميركا مثلا لديها مبدأ في تسليح الشرق الأوسط، وهو ضمان التفوق النوعي الإسرائيلي، وألا تخل أي صفقة مع الدول العربية بالتفوق الإسرائيلي، هناك أنواع من الذخائر والطائرات مثلا لا يمكن أن تبيعها أميركا لمصر، لذا تلجأ مصر لمصادر تسليح أخرى غير أمير

كا، مثل حصولها على السوخوي الروسي".

وأكد الزيات أن الدور الروسي دوليا لا يطابق الدور السوفيتي موضحا "لا يمكن اعتبار روسيا وريث الاتحاد السوفيتي، ليس من ناحية القدرات والإمكانيات، ولكن من ناحية المواقف والانحيازات، الاتحاد السوفيتي كان قوة عظمى ذات أيديولوجية وتوجه، روسيا الاتحادية لا تحمل نفس الإيديولوجية، وفعليا لا يوجد صراع أيديولوجي بين روسيا والغرب، ولكنها منافسة بين قوى رأسمالية، وهذا اختلاف جوهري بين الاتحاد السوفيتي وروسيا الاتحادية وكذلك الصين، لا يتعلق الأمر فقط بوزن روسيا وقدراتها ولكن بتوجهها ورؤيتها وانحيازاتها، وهو الجانب الذي لم ترثه روسيا من الاتحاد ال�

 هذا وتحل اليوم الذكرى الثلاثون على إعلان حل الاتحاد السوفيتى، ما أدى إلى انفصال 15 من جمهورياته وتحوّلها إلى دول مستقلة، على رأسها روسيا.

ويذكر أنه في 25 كانون الأول/ديسمبر 1991 تخلى ميخائيل غورباتشوف، آخر زعيم سوفيتي، رسميا عن صلاحياته كرئيس للاتحاد السوفيتي، وفي اليوم التالي أقر برلمان البلاد، مجلس السوفيت الأعلى، رسميا باستقلال 15 دولة جديدة وبالتالي أنهى وجود الاتحاد السوفيتي.  

أفكارك وتعليقاتك