سوق العقار في لبنان.. "الانهيار" أنقذه من الانهيار!

سوق العقار في لبنان.. "الانهيار" أنقذه من الانهيار!

( أردو بوینت نتورك‎‎‎ ۔ / سبوتنيك - 25 كانون الثاني 2022ء) جمانة بعلبكي. يعيش القطاع العقاري اللبناني حالة من التذبذب، صعوداً وهبوطاً، على وقع الأزمات اللبنانية، وهي كثيرة. هذا القطاع الذي شهد قبل نحو 15 عاماً فورة هائلة في الأسعار، ثم هبوطاً فجمود، تلاه انتعاش، دخل مجدداً في مرحلة ركود قد تطول.

بدأ واقع التأرجح في السوق العقاري في العام 2008، تزامناً مع الأزمة الاقتصادية العالمية، وحينها شكل لبنان ملاذاً آمناً لرؤوس الأموال الهاربة من الخارج باتجاه مصارفه التي تعتمد قانون السرية المصرفية.

تدفق إلى لبنان خلال الفترة الممتدة بين العامين 2008 و2010 نحو 35 مليار دولار.

وقد ساهمت هذه الغزارة للسيولة بالعملة الصعبة بتشكُل فقاعة هائلة في سوق العقارات، نتج عنها ارتفاع خيالي في أسعار الشقق السكنية فاق قيمتها الحقيقية، قبل أن تتجه للهدوء تدريجياً مع بداية العام 2011، تاريخ اندلاع الأزمة السورية.

(تستمر)

يومها بدأت الأسعار بالتراجع، وبدأت ملامح أزمة عقارية تلوح في الأفق، مدفوعة بواقع مستجد هو تأثير الأزمة السورية على قطاعات لبنان الاقتصادية والمالية والاجتماعية.

أما مرحلة الكساد فبدأت مع سير المصرف المركزي اللبناني في العام 2016 بسياسة الهندسات المالية، القائمة على اجتذاب الودائع بالدولار، مقابل فوائد عالية وصلت في بعض الأحيان إلى الـ 40 بالمئة.

هذا المنحى أدى إلى "تمركز معظم رؤوس الأموال في المصارف وهروبها من قطاع العقارات تحديداً، هذا فضلاً عن توقف المصارف عن منح القروض السكنية وذلك طمعاً بالفوائد العالية التي كانت تُحصلها سندات الخزينة التي وظفتها لدى مصرف لبنان، وكانت تلك إشارة مبكرة إلى الأزمة التي سيُقبل عليها لبنان، والتي تفجرت في العام 2019"، كما يقول مسؤول رسمي لبناني رفض الكشف عن اسمه لوكالة "سبوتنيك".

تقول القاعدة الاقتصادية إن الضرر نتيجة الأزمات المالية والنقدية والاقتصادية تصيب أولاً قطاع العقارات القائم على الثقة.

لكن مع بداية أزمة المصارف والودائع في العام 2019، انقلبت الآية. يقول المسؤول اللبناني "إن ما ساعد على عدم انهيار القطاع العقاري، هو لجوء المودعين إلى تهريب أموالهم المحجوزة في المصارف، عبر الشيكات المصرفية وتسييلها من خلال شراء عقارات، أياً كانت طبيعتها ووجهة استخدامها، وذلك حماية وضمانة مباشرة للأموال التي كانت محتجزة في المصارف.

كما أن عدداً كبيراً من المطورين العقاريين والمقاولين عمدوا إلى سداد ديونهم للمصارف عبر الوسيلة نفسها".

ويوضح المسؤول اللبناني أن "نحو 10 مليارات دولار من القروض، بينها جزء كبير كان متعثراً، قد تم تسديدها في السنتين الماضيتين"، وهكذا تضاعف عدد المبيعات العقارية وقيمتها وإيراداتها بين العام 2020، والنصف الأول من العام 2021.

في هذا الإطار، يوضح رئيس مجلس إدارة شركة رامكو للاستشارات العقارية، رجا مكارم لسبوتنيك "أن بين 2000 إلى 3000 شقة قد "سُيّلت"، أي بيعت في العاصمة بيروت وحدها خلال الفترة المذكورة، أما أصحاب الرساميل الكبرى فلجأوا إلى شراء الأراضي".

ويشير مكارم إلى أن "شركة سوليدير التي تملك وتدير وسط بيروت التجاري وتعد الأكبر في لبنان، قد باعت جزءاً كبيراً من المخزون الهائل في الشقق والمحال التجارية والأراضي خلال هذه الفترة، بما يصل إلى نحو نصف مليار دولار".

وساعدت هذه الحركة الشركة المترنحة على سداد ديونها للمصارف، ارتفاع أسهمها مجدداً، علماً بأنها اضطرت لتخفيض سعر المتر العقاري المربع الواحد أحياناً من 4000 دولار، إلى 2000 دولار أو أقل".

ويقول خبير عقاري في بيروت، إن "الارتطام الكبير لسوق العقارات حصل في العام 2018". ففي الأعوام 2017 و2018 و2019، يمكن القول، إن السوق العقارية عاشت أدنى مستوياتها، فلم نرَ أي زبون وقتها"، ويضيف الخبير العقاري "ما أن انفجرت أزمة المصارف بعد "ثورة" 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، حتى بلغت قيمة ما بيع من عقارات منذ تلك اللحظة وحتى منتصف 2021 نحو 30 مليار دولار.

ماذا عن المرحلة المقبلة؟

اعتباراً من شهر حزيران/يونيو 2021، يشهد السوق العقاري تباطؤاً وفق ما يجمع عليه الخبراء. فمع تمكن معظم المطورين العقاريين من سداد ديونهم للمصارف عبر الشيكات التي يتلقونها من الشارين، اتجه السوق نحو البيع بـ"الكاش".

ويؤكد رجا مكارم لوكالة سبوتنيك أن "عمليات البيع بالشيكات قد توقفت بنسبة تفوق الـ 95 بالمئة، وباتت عمليات البيع تتم فقط بالعملة الصعبة، وبسبب الشح في سيولتها، انكمش السوق مقارنة مع العامين الماضيين. ولأن المستثمر جبان، فإن الوضع السياسي المتأزم يشير إلى أننا نسير باتجاه الانحدار". ويضيف مكارم "أن القلة القليلة التي لا تزال تبيع بواسطة الشيك تعمد إلى مضاعفة السعر أكثر من خمس مرات".

في المقابل، يلجأ لبنانيون كثر، لا سيما الشباب منهم، إلى الاستئجار. فمعظم الذين هربوا ودائعهم من المصارف واشتروا عقارات في الأعوام الماضية، يعمدون إلى استثمارها وتأجيرها، علماً بأن لا قاعدة تحكم هذا القطاع (الإيجارات).

ويقول أحد أصحاب المكاتب العقارية في بيروت لسبوتنيك "هناك فوضى عارمة في قطاع الإيجارات، والأمر متروك لتقدير المالك، خصوصاً في ظل غياب الحماية القانونية لطرفي العملية؛ أي المالك والمستأجر. ويُسبب هذا الغياب غالباً نزاعات قانونية تحتاج إلى سنوات للبت بها. فالعمليات تتم حالياً بالعملة الصعبة التي تتأرجح صعوداً ونزولاً، ومعها تتأرجح مصائر الناس".

ثمة مفارقة مضحكة مبكية، فمع الانهيار الاقتصادي والمالي الكبير الذي أصاب لبنان للمرة الأولى منذ التأسيس قبل مائة سنة، انتعش القطاع العقاري.. قبل أن يبدأ بالمراوحة مع بدء العد العكسي لتعافي لبنان، هذا إذا نجحت حكومة نجيب ميقاتي في إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي في الأشهر المقبلة.

أفكارك وتعليقاتك