فرنسا خرجت من مالي بسبب السخط الشعبي على وجودها وقد يتبع بخطوات مماثلة بدول الساحل – خبير

فرنسا خرجت من مالي بسبب السخط الشعبي على وجودها وقد يتبع بخطوات مماثلة بدول الساحل – خبير

( أردو بوینت نتورك‎‎‎ ۔ / سبوتنيك - 17 فبراير 2022ء) جميل الماس. اعتبر الخبير الأمني التونسي، علي زرميني، أن خروج القوات الفرنسية وحلفائها الأوروبيين من مالي، يأتي على خلفية نزعة قومية أفريقية تجاه الدولة، التي تكرس في أذهان الشعوب الأفريقية، الحقبة الاستعمارية؛ غير مستبعد خروجها من بقية دول الساحل الأفريقي​​​.

وقال زرميني، في حوار خاص مع وكالة "سبوتنيك"، "اليوم هنالك في مالي، موجة مضادة للوجود الفرنسي بشكل كبير، في الأوساط الشعبية. ونحن نعلم جيدا أنه متى فقدت الهياكل العسكرية أو الأمنية السند الشعبي في أي منطقة، يصبح وجودها حمل تقيل عليها قبل الأخرين.

وبالتالي هذا الوجود أصبح يشكل معضلة للطرفين الفرنسي والمالي".

وأضاف، "بالنسبة للجانب الفرنسي، فإنه فاقد للشرعية المعنوية، من خلال وجوده تحت واقع الرفض الشعبي المطلق لوجود القوات الأجنبية، التي يعتبرها الشعب المالي سببا في تفشي الإرهاب وتناميه في تلك المنطقة".

(تستمر)

وتابع قائلا، الاستخبارات الفرنسية "قرأت جيدا هذا الموقف، وتعلم أنه، في غياب السند الشعبي، لا يمكن لها مواصلة مهامها. وسيكون رد الفعلي عكسيا على ما كانت تنتظره من هذا التواجد.

ثم أن وجود المجلس العسكري، الذي أصبح يرفض الوجود الفرنسي، وهذا أيضا لا يساعد القوات الفرنسية على القيام بمهامها".

وأستطرد الخبير الأمني قائلا، "أكيد أن خروج الجانب الفرنسي من مالي سيترك ثغرات، على اعتبار أنه طوال الفترة الفائتة، التي تقارب التسع سنوات، والفرنسيون يسيطرون سيطرة كلية على المشهد العسكري في مالي.

واليوم ستنقلب الآية، في حضور أطراف أجنبية أخرى؛ لكنها لا تتفاعل مع الميدان".

وأشار إلى أنه، في الوقت نفسه، "الثغرات ستتواجد ولو لفترة زمنية محددة؛ على اعتبار أن الجماعات الإرهابية تمركزت بقوة في تلك المناطق.

ومهما كانت الدول أو الجماعات التي ستأتي إلى المنطقة؛ إلا أنها لن تتأقلم بسرعة مع الوقائع على الأرض.

كما سيكون هناك تأثيرات غير مباشرة للخروج الفرنسي، حيث سيترك في طبيعة الحال ثغرات أمنية لكامل المنطقة، حتى لو تغير تمركزها نحو دول أخرى".

وحول السخط الشعبي الداخلي ضد التواجد الفرنسي في مالي، واتهام الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لجهات تعمل على تشويه سمعت التواجد الفرنسي في المنطقة؛ قال زرميني، "المفاهيم الاستعمارية بقيت في أذهان العديدين، وهنالك أطراف تسعى بطبيعة الحال إلى إعادة طرح الاستعمار والاستغلال الاستعماري في الحقبة الاستعمارية.

هناك أطراف تحركها نزعات قومية، وهذا لا يقتصر فقط على مالي بل على كامل الدول الإفريقية، سواء في شمالها أو في صحرائها، أو حتى في جنوب الصحراء"،

ويرى الخبير، أن التواجد العسكري الفرنسي الدائم في أفريقيا "جعل تلك الفكرة لا تنجلي عن الأذهان".

وفي هذا الصدد، قال، "طالما أن هنالك العلم الفرنسي مرفوع في أي دولة، فهو تكريس وإثبات للاستعمار. وهذه النظرة لا زالت ثابتة في الأذهان. والوجود العسكري هو دعّامة لهذه الفكرة".

واعتبر زرميني، أن هذا لا يمنع، أن ما قاله الرئيس ماكرون صحيح، وان هنالك أطرافا تنافس فرنسا على الوجود في هذه المناطق الغنية جدا. وأردف موضحا، "إنها تسعى للتواجد، من خلال محاولة إزالة الفرنسيين، إعلاميا؛ عبر نشر معلومات حول طبيعة التواجد الفرنسي، والغرض الأساسي من هذا التواجد وهو استغلال ونهب الثروات في المنطقة".

كما يرى الخبير الأمني، أن "الجانب الأخر"، يسعى لاستغلال الجانب التاريخي والاستعماري ومخلفاته، وحقيقة أن فرنسا استغلت هذه الشعوب، وان فرنسا كانت على الموعد في تثبيت الحكومات التي لا تلاقي الحاضنة من شعوبها؛ وقال، "هذه من العوامل الأساسية، التي يجب على فرنسا مراجعتها من خلال تواجدها الاستعماري، ما يجعلها عرضة للنقد الإعلامي".

وحول احتمال مغادرة فرنسا لبقية دول الساحل بعد مغادرتها لمالي، أختتم الخبير بالقول، "بعد أن خسرت فرنسا أفريقيا الوسطى، وهي الآن بصدد خسارة مالي لفائدة قوى أخرى، مثل روسيا على وجه الخصوص، وتركيا؛ سيكون هناك صراعا محتدّا، سيجعل الفرنسيين يراجعوا كل مقوماتهم لإثبات وجودهم.

وستعمل جاهدة على مراجعة هذه المواقف، ولا خيار لها إلا لطرح صورة مغايرة لما يدور في هذه الأوساط. ولن يكون هذا إلا بتعديل سياساتها واحتضان هذه الدول".

وأكد أن ذلك يأتي، عبر تطبيق العرف العالمي المبني على العدالة الاجتماعية، والاقتراب من الشعوب؛ ودون ذلك فسوف تخسر فرنسا دولا أخرى.

وكانت فرنسا وكندا ودول أوروبية أخرى، وبعد تسع سنوات من تواجدها عسكريا في البلاد، أعلنت، الخميس، انسحابها من مالي، وإنهاء العمليتين العسكريتين لمكافحة الجهاديين "برخان" و"تاكوبا".

وتدهورت العلاقات بين باريس وباماكو، منذ تراجع المجلس العسكري المالي عن اتفاق لتنظيم الانتخابات في شباط/ فبراير الجاري.

وأكدت فرنسا وكندا والدول الأوروبية الأخرى المشاركة في العمليتين المذكورتين، في بيان مشترك نشره قصر الإليزيه، أن "الظروف السياسية والعملياتية والقانونية في مالي، لم تعد ملائمة لمواصلتها أنشطتها العسكرية في مجال مكافحة الإرهاب على نحو فعال"، في هذا البلد.

هذا ومن المتوقع، بعد الانسحاب الفرنسي من البلاد، أن تواجه الحكومة العسكرية في مالي، مهمة في غاية الصعوبة؛ تتمثل في مواجهة تهديدات المتطرفين من جهة، وتلويح زعماء دول غرب أفريقيا بفرض المزيد من العقوبات، في حال عدم إجراء انتخابات، من جهة أخرى.

ويعود الوجود العسكري الفرنسي في مالي إلى عام 2013، عندما تدخلت فرنسا من أجل محاربة الإرهاب وإبعاد المتطرفين عن السلطة؛ واستمر هذا الوجود على مدار العقد الماضي.

بيد أن تهديد الجماعات المتطرفة كان كبيراً، حتى أن القوات الأجنبية لم تكن قادرة على ردع المسلحين في منطقة الساحل الممتدة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ووقف هجماتهم.

أفكارك وتعليقاتك