"المولودة" لنادية كامل.. رواية تاريخ مصر الحافل عبر امرأة واحدة

"المولودة" لنادية كامل.. رواية تاريخ مصر الحافل عبر امرأة واحدة

( أردو بوینت نتورك‎‎‎ ۔ / سبوتنيك - 12 مارس 2019ء) سلمى خطاب.  بعد فوزها بجائزة ساويرس الثقافية مناصفة في كانون الثاني/ يناير الماضي، أثارت رواية المولودة لمؤلفتها الكاتبة والمخرجة نادية كامل، حالة واسعة من النقاش في الأوساط الثقافية المصرية، ليس فقط لكتابة الرواية باللغة العامية، ولكن لأن الرواية تكشف جانبا من المجتمع المصري خلال مائة عام، عبر سرد امرأة واحدة لقصص عائلتها لابنتها لترويها بدورها إلى حفيدها، من أوائل القرن العشرين وحتى مطلع الألفية الجديدة.

في أكثر من 550 صفحة، من الكتاب الذي صدر عام 2018 عن دار الكرمة للنشر، تروي نائلة كامل، "المولودة" ماري إيلي روزنتال –وهي والدة المؤلفة- سيرة العائلة المكونة من أم إيطالية مسيحية وأب يهودي من أصل تركي، لكنهما التقيا في مصر في بداية القرن العشرين، وتزوجا وعاشا في القاهرة.

(تستمر)

تزخر سيرة "المولودة" بالكثير من الحكايات والنضال، بداية من انضمامها للحركة الشيوعية والعمل السري، مرورا بدخولها السجن مرتين في مصر، واعتناقها الإسلام وزواجها من الصحفي والناشط اليساري المصري سعد كامل، وصولا إلى عملها كصحافية تكتب عن المرأة وتناصر حقوقها.

في حوار مع وكالة "سبوتنيك" تقول المؤلفة نادية كامل إن "فكرة قص قصتنا كانت موجودة دائما، من أيام دراسة الابتدائي، بسبب حبي للأساطير العائلية التي قصها لي جدودي ثم أمي وإلى حد ما أبي وباقي أفراد عائلتنا، زاد عليها مع مرور الوقت شعور مؤلم بأن هذه القصص ستندثر وكأنها لم تكن، أجزاء من عائلتي فعلا مهددة بالاندثار مثل اليهود والجاليات الأوروبية والزيجات المختلطة والشيوعيين".

وتتابع المؤلفة " لكن الاندثار مختلف عن المحو – الديناصورات اندثرت ونجتهد للحفاظ على ما تبقى من أثارها لدراستها وتخيلها وتخيل تأثيرها، فما بالك ببشر عاشوا ولا يزال ذريتهم في مصر يعيشون حلاوة روحهم".

تسرد المؤلفة "أتت 2002 برغبة مبهمة لانتشال نفسي من المحو، رغبة مبهمة ولكن عارمة – هذا بالنسبة لبداية تجميع الذكريات ولكن المسار لم يكن مقررا ولا النتائج، بمعنى أني لم اقرر في سنة 2002 أن أسجل واجمع كل ما استطيع ثم اصنع فيلما تسجيليا عن الحاضر يثير جدلا يتبعه كتاب في شكل رواية بالعامية عن الماضي".

مواصلة "في 2002 قررت أن استغرق في انتشال قصتنا ثم تكشف الطريق وتحور الموضوع، العامية جاءت بشكل طبيعي – فهي اللغة التي سمحت لي بكتابة رؤيتي للحدوتة وللشخصيات باستمتاع".

وتصف كامل روايتها بأنها "رواية تسجيلية"، أي "رواية مرتبطة بشخصيات عاشت بالفعل ومواقف لها أساس من الصحة من وجهة نظر المؤلف، والمعالجة الدرامية صوت جدة تحكي لابنتها حتى تحكي لحفيدها وهو ما تفعله الابنة بالفعل في الكتاب".

في عام 2007، أخرجت كامل فيلم "سلطة بلدي" وهو أيضا يدور حول قصص العائلة، وترى كامل الاختلاف بين الفيلم والرواية في أنهما "يدوران حول نفس الأفراد في حقب مختلفة، الفيلم تسجيلي يساير حاضر عائلة في أوائل الألفينات، أما المولودة فتحكي قصة على مدار حوالي أكثر من مائة عام".

وأضافت كامل "لم اقرر هذا الترتيب مسبقا بل تكشف الاحتياج، الفيلم دار حوله جدل لأنه تكلم بشكل غير مألوف عن مواضيع تعتبر مفروغ منها. تتابع يبدو طبيعي الآن بأثر رجعي، تكسر القيد أولا ثم تستخدم الحرية التي حققتها – ولكن هذا الكلام لم يكن بديهيا منذ البداية بل جاء بالتدريج، هكذا استفادت الرواية من الفيلم واستفاد الفيلم من الرواية، نفك الكمامة ثم نحكي فنفهم الكمامة وقصتها".

وحول بعض الانتقادات التي وجهت إلى الرواية لكتابتها بالعامية المصرية، قالت كامل إن "الجدل حول العامية لا يخصني بشكل كبير، العامية لغة للتواصل العملي اليومي ولكنها بالأساس لغة يفكر بها ويحب ويكره ويحلل ويتمرد بها الشعب المصري بأكمله، لماذا لا نريد أن يستخدمها الشعب في التعبير عن نفسه؟ لماذا عليه أن يتعلم لغة موازية غير موجودة إلا في المدرسة حتى يسمح له بالكتابة؟ في اعتقادي أيضا إن كبرنا دماغنا واعتمدنا العامية كلغة ستنحسر الأمية وستتحقق صحوة للفصحى".

وأردفت "عموما أنا اكتب بالعامية عندما يحلو لي، ولم اطالب بمنع الفصحى. في رأيي الذي يهدد أي لغة هو القهر، أن لا يسمح للإنسان أن يكون رأيا وأن يتعلم بحرية فتتقلص لغته الى كلمتين يشتري بهم بيض من عند البقال وشتيمتين يفرد بهما صدره على زمايله. أعتقد أن التحقير من العامية طريقة للرقابة وفرض الوصاية. العامية ليست فصحى ركيكة، العامية أداة تعبير مستقلة بذاتها، فإذا ساهمت عامية المولودة في دعم هذا الاتجاه فذلك من دواعي سروري العميق".

وفيما يتعلق بإقبال القارئ العربي على الرواية، قالت كامل "لقد قرأت روايات من بلاد عربية مختلفة بها مقاطع حوار بالعامية بالعراقية أو اللبنانية مثلا وقرأت رواية بوليسية مشهورة بالعامية الإيطالية الصقلية وهي مختلفة عن الإيطالية وشبيهة بها في نفس الوقت، لم يزعجني ذلك بالمرة بل ساعدت العامية على اقترابي من الرواية واستطعامها"، مواصلة "الذين قرؤوا المولودة وتفاعلوا معي من الأردن ولبنان وفلسطين وتونس أحبوا الرواية واستمتعوا بالعامية المصرية أيضا".

وحول ردود الأفعال التي تلقتها من أصدقاء والديها الذين ظهروا في الروية، قالت كامل "أصدقاء أهلي وأولادهم الذين تواصلوا معي أحبوا الرواية وتأثروا عاطفيا باستعادة الذكرايات وعبروا عن تأثرهم بحرارة".

وفيما يتعلق بترجمة الرواية إلى لغات أخرى، قالت كامل "أتمنى بالطبع أن يتم ترجمة الرواية للغات أخرى ولكن هذا شئ سيأتي في وقته وليست هناك دار نشر معينة في الوقت الحالي".

كما أشارت إلى أنها تعمل حاليا على مشروعها التالي، والذي يتناول قصة تدور أحداثها في الثمانينيات من القرن الماضي.

أفكارك وتعليقاتك