السودان..رمضان الأول بعد رحيل البشير

السودان..رمضان الأول بعد رحيل البشير

( أردو بوینت نتورك‎‎‎ ۔ / سبوتنيك - 08 مايو 2019ء) يعد شهر رمضان لهذا العام بالسودان ذو طعم خاص عن سوابقه لدى السودانيين الذين أطاحوا بحكم الرئيس السابق عمر البشير. ولكن برغم رحيل البشير وإيداعه السجن في انتظار محاكمته، ورغم دخول شهر رمضان وارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير، مازال آلاف السودانيين ملتزمون بالاعتصام أمام مباني القيادة العامة للجيش، مؤكدين أنه لا مناص  من الاستمرار في الاعتصام حتى يتم تسليم السلطة كاملة للمدنيين، وملاحقة بقايا رموز النظام السابق.

الناشط بلجان الاعتصام، زياد معتصم، نقل لوكالة "سبوتنيك" الصورة الرمضانية من داخل ساحة الاعتصام، وقال إن" من يريد مشاهدة القيم السودانية الجميلة عليه أن يأتي إلى ساحة الاعتصام، ويرى كيف قسم المعتصمون أنفسهم إلى عدة لجان لخدمة الجماهير المحتشدة وتوفير الأكل والشرب للصائمين".

(تستمر)

وأوضح معتصم أن "هناك مجموعات مهمتها جلب المواد الغذائية بكميات كبيرة واستلام التبرعات من خيرين والتي يصعب حصرها لكثرتها، وهي التي يعتمد عليها في توفير الطعام والشراب، فيحضرون هذه المواد إلى مطابخ ساحة الاعتصام والتي تتوزع في مراكز عدة لتحضير الطعام بعضها تشرف عليها منظمات ويقومون بإعداد وجبات الإفطار والعشاء والسحور أيضا للآلاف من المعتصمين، ويبدأ العاملون في إعداد الطعام عملهم منذ وقت الظهيرة ويستمرون في العمل حتى الفجر ولا ينامون إلا بعد الفجر ليستيقظوا ظهراً لبدء يومهم الجديد، وبعد أن يعدوا الطعام يستلمه الموزعون، والذين  يوزعونهÂ

  بدورهم على كافة مناطق الاعتصام، وهؤلاء الموزعون تجدهم لا يجلسون ليأكلوا مع الناس، وإنما يظلون واقفين حتى يأكل الناس جميعا وبعدها يتناولون طعامهم، كما أن هناك أسر كثيرة تأتي بطعامها ليتشاركوا مع المعتصمين الإفطار".

وأضاف معتصم، أنه" بعد الفراغ من الإفطار، يتجمع المعتصمون في 3 مجموعات كبيرة لأداء صلاة العشاء والتراويح وبعد الصلاة يستمعون للإنشاد والمديح، وبعد التراويح تبدأ البرامج الثقافية والسياسية على منصات الاعتصام".

ويعتبر شهر مضان في السودان ذو أبعاد  اجتماعية عميقة، وتجد العادات المميزة للشعب السوداني، والتي تعمل على تعزيز الترابط الاجتماعي والتكافل ورحمة بين الناس. في هذا السياق يقول الخبير بشؤون المجتمع السوداني، أحمد الطيب بشير، إن" التحضير لشهر رمضان يبدأ منذ شهر رجب، ويستطيع أي شخص أن يميز هذه التحضيرات من روائح تجهيز مشروب" الحلو مر" أو ما يسمى شعبيا " الآبري" من داخل البيوت، كما تبدأ المساجد في شهر شعبان بالاستعداد من حيث الصيانة والنظافة والإنارة، وتشرع العديد من الأسر والمؤسسات في إعداد كيس الصائم، وهو كيس به بعض المواد الغذائية التي تستهلÙ

ƒ في رمضان، حيث توزع على الأسر الفقيرة والمتعففة. وحينما يهل الشهر الكريم تنتشر موائد "الرحمن" على الطرقات العامة والتقاطعات وفي المساجد و مسائد الطرق الصوفية لإطعام عابري السبيل والفقراء، بل إن السودانيين في القرى المتاخمة لطرق المرور السريع يخرجون بطعامهم ويقطعون هذه الطرق على المسافرين ويمنعون البصات من المرور إلا بعد أن يترجل المسافرون ويتناولوا الإفطار ومن ثم يواصلون سفرهم في قيمة اجتماعية سامية عرف بها السودانيون".

ويضيف بشير، أن" هناك مناسبة شهيرة في رمضان تسمى " الرحمتات"، وتعني "الرحمة أتت"، وهي وليمة تقيمها الأسر في نهار الجمعة الأخيرة من رمضان يدعون لها أطفال الحي ليأكلوا الطعام ويدعون لموتاهم، كما نجد أن في هذا الشهر الكريم تكثر الزيارات الاجتماعية وتبادل دعوات الإفطار بين الأسر إضافة إلى أعمال البر والإحسان والتصدق على الفقراء والمساكين".

ومن أشهر الأطعمة السودانية في مائدة رمضان عديدة، والتي يصعب إغفالها مهما طالت السنين والأعمار، ذكرتها الخبيرة في الأطعمة السودانية، أماني بت ودأرو، لوكالة" سبوتنيك "، تشمل مشروب (الحلو مر) أو ( الآبري) المصنوع من الذرة السودانية المنبتة. ولهذا المشروب طريقة معقدة جدا في تصنيعه، حيث يتم إنبات الذرة، وبعدها تجفف، ثم تطحن، ثم تعجن مع إضافة بعض التوابل فيما يعرف بعملية" الكوجان "، وبعد ذلك يترك العجين ليتخمر لمدة يوم كامل ثم يطبخ على الصاج في شكل رقائق سميكة أو ما يسمى بـ "الطَّرَقة"، ثم ينقع في الماء لمدة 5 ساعات، وبعدها يصفى ويضاف إليه السكر والØ

�لج ليصير مشروبا لذيذا جدا". وتؤكد أماني أن" هذا المشروب من ميزاته أنه يروي الظمأ ويشبع وينعش في ذات الوقت، وهو مغذ، ويطلق عليه " عبقرية المائدة السودانية" .

كما أن هناك نوع آخر من المشروبات يسمى (الآبري الأبيض)، ويصنع أيضا من الذرة ولونه أبيض ورقاقته خفيفة للغاية، هذا إضافة إلى المشروبات التقليدية الأخرى مثل "العرديب، والكركدي، والتبلدي"".

وأشارت أماني إلى أن" الأسر الكبيرة تشترك في صنع" الآبري " جماعيا، ومن ثم يقسمونه فيما بينهم اختصارا للجهد والوقت والتكلفة.

أما عن المأكولات، فيعد "العصيدة" هو الطبق الرئيسي للمائدة الرمضانية، ويصنع أيضا من الذرة السودانية ويصب عليها مُلاح" إدام " و" التقلية" والذي يصنع من اللحم المقدد المخزن والمطبخ بمسحوق البامية المجففة "الويكة". وتستعيض بعض قبائل شمال السودان عن "العصيدة" بأكلة " القُرَّاصة"، وهي فطيرة سميكة تخبز من دقيق القمح، يصب عليه مُلاح "التقلية"، كما أن هناك "البليلة"، وتصنع من حبوب العدسية المسلوقة ويوضع عليها التمر، وهي وجبة مفيدة ومغذية للصائم كما أنها رخيصة الثمن، أما في السحور فيتناول السودانيون "الرقاق" مع اللبن وهو رقائق خفيفة تخبز من دقيق القمح تØ

�به الكورنفليكس".

ويرتبط  رمضان في السودان كثيرا بالنواحي الروحانية والعبادات، حيث يعتبره المسلمون موسما للصفاء والسمو الروحي والكثرة من العبادة. الداعية الشاب عمر حمدون يقول لوكالة "سبوتنيك" إن" المساجد في رمضان تمتلئ بالعباد رجالا ونساء شيبا وشبابا، حيث يجتمعون لصلاة التراويح والتهجد وحلقات القرآن الكريم والدروس الدينية".

وأضاف" كما أن المسلمين يحتفلون فيه بذكرى غزوة بدر الكبرى، إضافة إلى أن الطرق الصوفية تقيم فيه احتفالات لا سيما الطريقة السمانية والتي لها احتفال كبير بمسجد الشيخ قريب الله تشارك فيه كل الطرق الصوفية والعلماء والسياسيون والدبلوماسيون ورموز المجتمع، وتصاحب هذا الاحتفال زفة ليلية حاشدة تجوب شوارع مدينة أم درمان درج المواطنون على استقبالها والمشاركة فيها في سهرة رمضانية جميلة".

أفكارك وتعليقاتك