"الشلوخ" تقليد قديم "للجمال" لدى القبائل السودانية وعلى وشك الاندثار

(@FahadShabbir)

"الشلوخ" تقليد قديم "للجمال" لدى القبائل السودانية وعلى وشك الاندثار

( أردو بوینت نتورك‎‎‎ ۔ / سبوتنيك - 16 سبتمبر 2019ء) محمد الفاتح. الشلخ أو الوسم عادة سودانية، عادة وتقليد سوداني قديم قبل بدايات التقويم الميلادي، حسب ما تشير إليه الآثار والرسوم الجدارية على الأهرام بشمال البلاد​​​. ويقول مهتمون بالتراث السوداني، لوكالة سبوتنيك الروسية، أن الاعتقاد السائد بأن عادة الشلخ هي نوع من الجمال، ولها إشارة لقبيلة معينة.

والشلوخ عادة سودانية قديمة كانت تجرى للفتاة للدخول إلى مرحلة النضج وفقاً للمعايير الاجتماعية السائدة حينها، وهي جروح ترسم في الخدود على جانبي الوجه أو على الصدغ (طولية أو عرضية)، وتختلف هذه العادة من قبيلة لأخرى.

وتحكي السيدة أم جمعة محمود أحمد، لوكالة سبوتنيك، والتي تخطت السبعين من عمرها وهي من النساء المشلخات، ذكرياتها حول ذاك اليوم الذي جرت فيه عملية وسمها بالشلوخ، وقالت "في ذاك الوقت كنا في مدينة سنار والتي استقر فيها والدها مؤقتا بحكم عمله في الجيش الإنجليزي"، وأوضحت أنها لا زالت تذكر ذاك اليوم كأنه البارحة.

(تستمر)

فتقول أنها حين كانت في الثامنة من عمرها اصطحبتها جارتها في الحي وتدعى علوية هي وصديقتها إلى جارتهم في ذات الحي والتي تعمل قابلة في مستشفى سنار وتقوم بعملية الشلوخ للفتيات بالمجان ظنا منها أنها تقوم بإضفاء لمسات جمالية على خدوهن حسب الثقافØ

© التي كانت سائدة في ذلك الزمان".

وكشفت أم جمعة تفاصيل ما جرى لها وقالت إن "القابلة رسمت على خدها الصغير المكتنز باللحم ثلاث خطوط  بمادة سوداء تسمى (السكن) على شكل خط مستقيم تسمى المطارق، وطلبت منهن القابلة هي وصديقتها بالذهاب إلى أسرتيهما لأخذ الإذن النهائي لإجراء العملية".

وتقول أم جمعة ذكرياتها المؤلمة أنها لم تكن تعرف شيئا عن ما يحدث حولها وأنها تفاجأت عند عودتها بأن والدتها باركت الخطوة، فقامت جارتهم علوية وثلاثة أخريات موجودات بمنزل القابلة بإمساكها بها بقوة، والقابلة تمسك موسا وتقوم بفصد الأطراف التي خططتها مسبقا، فخرطت اللحم بالموس من الداخل دون أي عملية تخدير، ولم تشفع لها صرخاتها للإفلات من عملية الوسم،  وأفادت أم جمعة بأنها تألمت كثيراً جراء هذه العملية المؤلمة، وأضافت بعد الانتهاء من عملية الفصد شرعت المرأة في تضميد تلك الجروح العميقة بصب زيت السمسم الدافئ على خدها، وبعد مضي ساعات تم وضع مادة تس

مى القطران على الجراح ، وحكت أم جمعة عند عودتها للمنزل احتج والدها الذي كان يدللها على إجراء العملية دون أخذ موافقته واتهم والدتها التي كانت على علم بما جرى لها بالتواطؤ في عملية الشلوخ، غير أن والدتها ألقت اللوم كله على جارتها لامتصاص غضب والدها".

وأوضحت أم جمعة أنها" عانت لأيام من تلك الجروح خاصة وأن عمليات تنظيفها تتم بصورة يومية بواسطة القطران حتى تماثلت للشفاء، ووصفت أم جمعة المرأة في عهدها بالتميز بهذه الشلوخ وأن الكثير من الأمهات كن يعتبرنها ميزة جمالية لا تكتمل أنوثة الفتاة إلا بها، وأن والدتها وخالتها وعمتها كن يتبارين في وسم بناتهن كتقليد اجتماعي".

وأشارت أنّ والدتها كانت تعتز بأن ابنتها الوحيدة مشلخة، لنظرتهم الجمالية بأن المشخلة لها ميزة خاصة، خصوصاً بعد ظهور عدد من الأغنيات التي تمجد المرأة المشلخة في ذلك الوقت، لذلك كانت  السيدات يتبارين في وسم بناتهن، وأكّدت أم جمعة أنها "لو عاد بها الزمان للوراء و خيرت لم تكن لتقبل بهذه العملية لوحشيتها وطريقتها المؤلمة"، إلا أنها عادت وقالت إن "المرأة المشلخة في الوقت الحاضر تلقى احتراما من المجتمع لكونها مشلخة، وأنها دائما تسمع كلمات الإطراء من أصدقاء أبنائها (يا سلام أمك مشلخة) وينادوها يا والدة".

ولفتت أم جمعة في حديثها بإنها إلى وقت قريب عندما كانت تستقل المواصلات العامة كان الرجال يقومون لإجلاسها توقيرا لتلك الشلوخ، وأضافت انها لم تقم بإجراء العملية لبناتها لقساوة العملية التي أجريت لها وأنها قصرت تجربة الشلوخ على نفسها فقط.

وفي ذات المنوال، لفت المهتم بأدب التراث السوداني، الأستاذ أحمد بشير الطيب، أن "الأغاني السودانية لشعراء ذلك الزمان نفيض بالنماذج التي تعنت بجمال الشلوخ الحاضرة بقوة في الغناء السوداني حيث عادة ما تذكر لتعضيد جمال المرأة المشلخة في مرحلة ما، ومثال لذلك..

شعرك أسود زي حظ حسودك .. نور أضانك يدرك فصودك..

والشاعر إسماعيل خورشيد، من شعراء الأغنية الحديثة غني له التاج مصطفى :

لي من شوفتو مدة ، حبيبي نسي المودة ..

اخضر زرعي لونو ، حبيب فى خديدو فصدة ..

جمالك كيف أحيا بلاهو

الشليخ الخدك جلاهو

فى خديدك ما أحلاهو

جيدك جيد غزال مصقولة طرفك كاحل

شلاخك بحور عينيك تبوب الساحل

هل حبيبي نسى أم لي طرا .... يا أم شلوخا عشرة مسطرا

النســــايم بالند عطــرا ...... دا الدفق لدموعي ومطر

ويضيف الطيب، أنه" ثم جاء وقت أصبح فيه الناس لا يحبذون الشلوخ على الخدود ويفضلون ما تسمى بالخدود السادة، واعتبروا أن هذه الشلوخ مشوهة لجمال المرأة السودانية وهي الفترة التي بدأت فيها عادة التشليخ بالاختفاء، وبدا هذا الأمر جلياً حتى في الغناء السوداني الذي أصبح يتغنى بالخدود السادة". مثل :

ماشوهوك بفصادة علي الخدود السادة

طبيعي خلقة ربك ما داير أي زيادة

السادة لونو خمري قلبي حباه

ويا جميل يا جميل يا سادة حبك جنني زيادة

وخدك السادة نارو وقادة.

ويشرح استشاري في جراحة التجميل، الدكتور وائل فيصل عبد الوهاب، بأن "الشلوخ مرتبطة بالعرف الاجتماعي حيث كان المجتمع يعتقد أنها مظهر جمالي، ولكنها بدأت بالاندثار".

ويضيف عبد الوهاب" تأتي إلينا حالات من النساء والرجال تطلب إزالة هذه الشلوخ جراحياً إلا أن معظمهم من النساء، وهذه الشلوخ قد تسبب للبعض تأثر نفسي سلبي، إلا أن البعض يرى العيب في إزالتها جراحياً، والشلوخ يمكن أن ينظر إليها البعض من ناحية جمالية خاصة عند كبار السن إذا كانت بطريقة احترافية ومتناسقة مع وجه الشخص وبشرته واقتناعه وفخره بها، ويمكن أن تجرى عملية الشلوخ بواسطة طبيب جراح إلا أن هذا الأمر غير معهود في يومنا هذا وأنا شخصيا لا أحبذها لأنها في تقديري لا تتناسب مع معايير الجمال في يومنا هذا".

أفكارك وتعليقاتك