لبنان .. الحراك الشعبي يدخل شهره الثاني وأفاق الحل تبدو بعيدة

لبنان .. الحراك الشعبي يدخل شهره الثاني وأفاق الحل تبدو بعيدة

( أردو بوینت نتورك‎‎‎ ۔ / سبوتنيك - 17 نوفمبر 2019ء) وسام متى. مع دخول الحراك الشعبي في لبنان شهره الثاني، تبدو فرص التوصل إلى مخارج سياسية واقتصادية بعيدة المنال، بعد فشل أحدث محاولة لتشكيل حكومة جديدة من شأنها أن تهدئ غضب المحتجين، وتساهم بحد أدنى من الاحتواء للخلافات السياسية المحتدمة.

وبرغم استمرار التحركات الاحتجاجية في العديد من المناطق اللبنانية، ولا سيما في العاصمة بيروت وطرابلس (شمال) وصيدا (جنوب)، إلا أن حالة من التململ تبدّت في صفوف الكثير من المشاركين في الحراك الشعبي، بسبب تناقص أعداد المتظاهرين خلا اليومين الماضيين، في ظل دعوات جديدة للنزول إلى الشارع في إطار فعاليات أطلقت عليها تسمية "أحد الشهداء".

وفي وسط بيروت، لم يتجاوز عدد المعتصمين حتى ظهر اليوم بضع مئات.

(تستمر)

وقال رامي (طالب جامعي – يساري) إن "هذا الأمر طبيعي، خصوصاً أننا اعتدنا خلال الشهر الماضي على وتيرة معيّنة للاستجابة الشعبية للدعوات إلى التظاهر، تبلغ ذروتها في نهاية الأسبوع، أو في حال حدوث تطوّرات معيّنة كما حصل بعد كلام (ميشال) عون"، في إشارة إلى المقابلة التلفزيونية التي أجراها الرئيس اللبناني الثلاثاء الماضي، وتسببت في غضب الشارع.

من جهتها، قالت رنا (موظفة – مستقلة) إن "الحراك ما زال مستمراً، والمعركة طويلة، وبالتالي فمن الطبيعي أن نشهد تفاوتاً في حجم المشاركة بين يوم وآخر"، لافتة إلى أن "الأسبوع الماضي سجل نقلة نوعية في حركة الناس، خصوصاً لجهة التحركات اليومية التي تنظم حول مؤسسات الفساد، والتظاهرات اليومية الرائعة للطلاب والكثير من القطاعات".

ولم يخل الحراك الشعبي من بعض "الإرباكات "الداخلية"، وهو ما ظهر يوم أمس، حين ساد الجدل بين الناشطين حول "بوسطة الثورة"، وهي حافلة تحمل شعارات الحراك الشعبي انطلقت من منطقة عكار (شمال) إلى مدينة صور (جنوب)، حيث حاول بعض المحتجين، لا سيما في مدينتي صيدا والنبطية منعها من العبور، بعد انتشار معلومات بكونها "ممولة من السفارة الأميركية"، وهو ما نفته السفارة عبر تغريدة عبر موقع "تويتر" مساء أمس.

وفي موازاة استمرار التحركات في الشارع اللبناني، ولو بوتائر متباينة، فإنّ آفاق الحل السياسي للأزمة القائمة تبدو بعيدة، مع فشل أحدث محاولة لتشكيل حكومة جديدة، بعد إعلان الوزير السابق محمد الصفدي عدم قبوله بتولي منصب رئيس هذه الحكومة.

وكانت وسائل اعلام لبنانية ذكرت، مساء الخميس، أن توافقاً حصل بين رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري وممثلين عن "حزب الله" و"حركة أمل" بترشيح الصفدي لرئاسة الحكومة الجديدة، خصوصاً أن الأخير يحظى بدعم رئيس الجمهورية ورئيس "التيار الوطني الحر" الموالي له جبران باسيل.

وبالفعل، سارع باسيل إلى تأكيد هذه المعلومات، من خلال تصريح إلى محطة "ام تي في" المحلية، مشيراً إلى أن رئيس الجمهورية سيدعو إلى استشارات نيابية لتكليف الصفدي في مطلع الأسبوع المقبل. وقوبلت تصريحات باسيل برفض فوري من جانب "تيار المستقبل"، الذي يتزعمه الحريري، الذي اتهم وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال بالتعدي على الصلاحيات الرئاسية، وهو ما دفع بـ"التيار الوطني الحر" إلى نفي ما أوردته القناة التلفزيونية باعتبار أن الكلام المنسوب إلى باسيل "ليس دقيقاً".

ومساء أمس، حسم أمر ترشيح الصفدي لتولي رئاسة الحكومة الجديدة، بإعلانه عن رفض هذا الاقتراح، وذلك بعد لقائه باسيل، وتأكيده على تمسكه بتسمية الحريري لهذا المنصب، لتعود بذلك الأمور إلى النقطة الصفر.

ويعكس التراشق الكلامي بين باسيل والحريري أن الأزمة الحكومية في لبنان ما زالت تراوح مكانها، خصوصاً في ظل الخلافات التي تتمحور بالدرجة الأولى حول شكل الحكومة، بين كونها حكومة تكنوقراط، كما يطالب الحريري، وحكومة تكنو-سياسيين، كما يطالب رئيس الجمهورية وحليفه "حزب الله".

وفي مؤشر إضافي على استمرار الأزمة، تواصلت حرب التسريبات والبيانات بين "تيار المستقبل" و"التيار الوطني الحر".

وفي أحدث بيان حول الأزمة القائمة، أعلن مكتب الحريري أنه "منذ أن طلب الوزير السابق محمد الصفدي سحب اسمه كمرشح لتشكيل الحكومة الجديدة، يمعن التيار الوطني الحر، تارة عبر تصريحات نواب ومسؤولين فيه وطوراً عبر تسريبات إعلامية، في تحميل الرئيس سعد الحريري مسؤولية هذا الانسحاب، بحجة تراجعه عن وعود مقطوعة للوزير الصفدي وبتهمة أنّ هذا الترشيح لم يكن إلّا مناورة مزعومة لحصر إمكانية تشكيل الحكومة بشخص الرئيس الحريري".

وأضاف البيان أن "الوزير جبران باسيل هو من اقترح وبإصرار مرتين اسم الوزير الصفدي، وهو ما سارع الرئيس الحريري إلى إبداء موافقته عليه، بعدما كانت اقتراحات الرئيس الحريري بأسماء من المجتمع المدني قد قوبلت بالرفض المتكرر".

وحذر البيان من أن "سياسة المناورة والتسريبات ومحاولة تسجيل النقاط التي ينتهجها التيار الوطني الحر هي سياسة غير مسؤولة مقارنة بالأزمة الوطنية الكبرى التي يجتازها بلدنا".

وفي هذا الإطار، قال مصدر سياسي لبنان متابع عن كثب للاتصالات الدائرة حول تشكيل الحكومة إن "الأمور ما زالت تراوح مكانها، وهو ما تأكد بشكل واضح، بعد فشل مبادرة ترشيح الصفدي".

وأشار المصدر إلى ان "فرص الصفدي كانت في الأساس ضئيلة، خصوصاً أن الشارع، الذي بات لاعباً أساسياً، ومستقلاً عن السياسيين، قد رفض هذا الترشيح على الفور"، لافتاً إلى أن "الأزمة لا تتعلق باسم رئيس الحكومة الجديدة، وانما بشكل هذه الحكومة نفسها، بين كونها حكومة اختصاصيين (تكنوقراط) أو حكومة سياسية".

وأوضح المصدر أنه "من دون حسم هذه النقطة تحديداً، لن تكون هناك حكومة في لبنان، خصوصاً أن حكومة التكنوقراط هي في الأصل هي مطلب أساسي للشارع، واليوم نجد ان الرئيس الحريري يتمسك بها، في مقابل رفض عون لها".

ولفت المصدر إلى أن "الكل يحاول كسب الوقت من أجل تحسين شروط التفاوض، فالحريري يدرك أن بقاءه على رأس الحكومة اللبنانية أمر حيوي، حتى بالنسبة إلى معارضيه، بدليل تأكيد حزب الله وأمل على تمسكهما به، علاوة على أنه يبقى الخيار الأفضل للمجتمع الدولي، وفي المقابل، فإنّ الحريري يدرك جيداً ان الطرف الأخر ("التيار الوطني الحر" و"حزب الله" لن يقبلان بسهولة فكرة تشكيل حكومة تكنوقراط صرفة، بالنظر إلى ما يعتبرانه مخاطرة سياسية".

وعلى ما يبدو، وفق ما يشير المصدر، فإنّ "الحريري يرغب بقوة في العودة إلى ترؤس الحكومة الجديدة، ولكن ضمن شروط قد تكون صعبة القبول، وهي أن تكون حكومة تكنوقراط تتمتع بصلاحيات واسعة لتحقيق برنامج الإنقاذ الاقتصادي".

وحول آفاق الحل، قال المصدر إنه "منذ بدء الحراك الشعبي، فإنّ الكل يتعامل مع الأزمة بمنطق "من يصرخ أولاً" ويتنازل، وقد مورس ذلك بداية على الشارع، الذي ما زال على المضي قدماً في المعركة، والآن يمارس هذا المنطق بين شركاء الأمس في الحكومة المستقيلة".

مع ذلك، فإنّ هذه "اللعبة السياسية"، كما يصطلح على تسميتها في لبنان، تبقى محفوفة بمخاطر هائلة، في ظل التأثيرات السلبية للغاية للأزمة القائمة على الوضع الاقتصادي الذي يسير على طريق الانهيار.

وفي مؤشر إضافي على المخاطر الاقتصادية، قررت نقابة موظفي المصارف الاستمرار في إضراب أعلنته الأسبوع الماضي، بعد حالة الفوضى التي شهدتها المصارف على خلفية الإجراءات التي اتخذها مصرف لبنان بالتنسيق مع جمعية المصارف للحد من سحب الودائع المصرفية بالدولار، الذي بات الحصول عليه بسعر الصرف الرسمي أمراً مستحيلاً عند غالبية اللبنانيين، ولا سيما تجار السلع الأساسية، كالوقود والطحين والدواء.

ويأتي استمرار الإضراب في القطاع المصرفي برغم الإجراءات التي اتخذتها قوى الأمن الداخلي، يوم أمس، والتي قضت بتعزيز التواجد الأمني عند فروع المصارف، بعد الشكوى من اعتداءات طالت الموظفين، والتي على أساسها تم إعلان الإضراب.

أفكارك وتعليقاتك