موريتانيا 2019 .. تداول سلمي للسلطة واكتشاف الغاز وأول هدف في كأس أفريقيا لكرة القدم

موريتانيا 2019 .. تداول سلمي للسلطة واكتشاف الغاز وأول هدف في كأس أفريقيا لكرة القدم

( أردو بوینت نتورك‎‎‎ ۔ / سبوتنيك - 29 ديسمبر 2019ء) سكينة أصنيب. عاشت موريتانيا عام 2019 تطورات سياسية واقتصادية لافتة لعل أهمها التداول السلمي للسلطة في بلد شهد عددا من الانقلابات العسكرية، فجرى انتخاب محمد ولد الغزواني رئيسا للبلاد خلفا لمحمد ولد عبد العزيز الذي أمضى في الحكم 10 سنوات، فيما على الصعيد الاقتصادي مثل اكتشاف كميات كبيرة من الغاز الطبيعي حدثا بارزا لا يقل عن مشاركة المنتخب الموريتاني في نهائيات أمم أفريقيا لكرة القدم للمرة الأولى في تاريخه.

لا لولاية رئاسية ثالثة:

مع بداية 2019 لم يكن الشعب الموريتاني مقتنعا بأن الرئيس ولد عبد العزيز سيغادر السلطة بعد انتهاء ولايته الثانية، فعلى الرغم من أن الدستور يحظر عليه الترشح لانتخابات الرئاسة بعد ولايتين رئاسيتين متتاليتين، إلا أن حديث الموالين له عن إمكانية تغيير الدستور ليسمح للرئيس بمأمورية ثالثة، جعل الموريتانيين غير واثقين مما سيحدث ومتخوفين من نتائج تصادم الأغلبية والمعارضة على استقرار البلاد، بعد ان هددت المعارضة بمنع الرئيس من الترشح من جديد بكل الوسائل.

(تستمر)

وفي الوقت الذي ارتفعت فيه حدة الخطاب الرافض لترشح ولد عبد العزيز بادر النواب الموالون له بالتحرك وفتحوا عريضة نيابية تطالب بتعديل الدستور، واستمر مسلسل الشد والجذب بين الطرفين، إلى أن أكد الرئيس السابق، في بيان رسمي، احترامه لدستور البلاد وعدم قبوله إجراء أي تعديل دستوري يسمح له بالترشح من جديد بعد ان استنفذ عدد فترات شغل المنصب التي يسمح بها الدستور.

ومباشرة بعد هذا البيان بدأ التحضير لاختيار مرشح الأغلبية للانتخابات الرئاسية، حيث وقع اختار حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم على الجنرال السابق محمد ولد الغزواني، صديق الرئيس ورفيق دربه منذ أمد بعيد، والذي تولى رئاسة أركان الجيش مدة 10 سنوات، ثم أصبح وزيرا للدفاع قبل ان يستقيل استعدادا لخوض الانتخابات.

وعلى الرغم مما قيل عن سعي الرئيس السابق ولد عبد العزيز ترشيح صديقه ليتمكن من العودة مجددا للرئاسة بعد مضي خمس سنوات، فقد التفت الأغلبية حول الرئيس الغزواني مباشرة بعد اعلانه الترشح رسميا مطلع آذار/مارس الماضي، بل واستقطب "مرشح الإجماع الوطني" كما أطلق على الغزواني، أحزابا وقوى سياسية معارضة.

بدأ التحضير للانتخابات الرئاسية التي جرت في حزيران/يونيو الماضي، مبكرا وقامت أحزاب الأغلبية ومن وراءها المؤسسة العسكرية والتجمعات القبلية بدعم مرشح الأغلبية ولد الغزواني، فيما فشلت المعارضة الموريتانية في التوافق على مرشح موحد، واستمرارا لحالة الارتباك التي تعيشها ترشح عدد من زعماءها للانتخابات، فيما آثر آخرون دعم مرشح السلطة.

وفي 23 حزيران/يونيو أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات فوز ولد الغزواني بحصوله على 52.01 بالمئة من الأصوات، فيما حصل الناشط الحقوقي بيرام ولد اعبيدي على نسبة 18.58 بالمئة يليه مرشح الاسلاميين سيدي محمد بوبكر بنسبة 17.87 بالمئة، ثم مرشح المعارضة محمد سيدي مولود الذي حصل على نسبة لا تتجاوز 2.44 بالمئة، وبلغت نسبة المشاركة في التصويت 62.66 بالمئة من الناخبين البالغ عددهم الإجمالي 1.5 مليون ناخب.

وبعد صدور نتائج الانتخابات بدت أحزاب المعارضة أشد ندما على ضياع فرصة هزيمة مرشح السلطة الذي حصل على 52 بالمئة فقط من أصوات الناخبين، وهي اقل نسبة يحصل عليها فائز في الانتخابات الرئاسية في تاريخ البلاد، فأعلنت أحزاب المعارضة أن نتائج الانتخابات مزوّرة سعيا منها لتنظيم شوط ثان بين مرشح السلطة ومرشح المعارضة، ودعت الشعب الى الخروج الى الشارع احتجاجا على التزوير مما أدى إلى اعتقال ناشطين وصحافيين وقطع الإنترنت مدة 10 أيام.

وقد فجرت نتائج الانتخابات الرئاسية أزمة سياسية خطيرة في البلاد بعد ان رفض المرشحون الخاسرون الاعتراف بنتائج الانتخابات، فاستمرت أحداث الشغب في العاصمة وبعض المدن الكبرى اعتقل على أثرها عدد من المتظاهرين وكشفت السلطات الأمنية عن "مخطط أجنبي لزعزعة استقرار البلاد".

تناوب بين أول رئيسين منتخبين:

رغم رفض المعارضة الاعتراف بنتائج الانتخابات فقد نجحت موريتانيا في تحقيق اول تبادل سلمي للسلطة بين أول رئيسين منتخبين ديمقراطيا في تاريخ البلاد، وبحسب الكثير من المراقبين فان موريتانيا نجحت من خلال هذه الانتخابات في التخلص من قصة "المأمورية الثالثة" وتحقيق اول تناوب سلس على كرسي الرئاسة بتسليم ولد عبد العزيز السلطة للرئيس المنتخب ولد الغزواني في آب/ أغسطس الماضي.

وبدأ ولد الغزواني حكمه بتطبيق أسلوب منفتح يهدف الى اعادة رسم سياسات جديدة لتهدئة الساحة السياسية واستعادة الثقة بين مختلف الأطراف وفتح صفحة جديدة مع المعارضة بعد حالة الاضطراب التي عاشها في فترة حكم سلفه، ووجه الرئيس الجديد دعوات لجميع زعماء المعارضة حتى الذين شككوا في نتائج الانتخابات، واستقبلهم مرارا في القصر الرئاسي بعد سنوات من القطيعة.

واختار الغزواني حكومة برئاسة إسماعيل بده الشيخ سيديا، الوزير السابق وخبير الاقتصاد المعروف، وضمت الحكومة 25 وزيرا، وقد روعيت في التشكيلة الحكومية التوازنات الاجتماعية والعشائرية اضافة الى معايير الكفاءة والخبرة.

عودة الرئيس السابق:

شكلت عودة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الى موريتانيا التي غادرها مباشرة بعد تنصيب الرئيس الجديد ولد الغزواني في الأول من آب/ أغسطس الماضي، نقطة تحول فارقة في العلاقة بين الرئيسين الصديقين، فقد اشتعل الخلاف بين الرئيسين بعد أن اعلن ولد عبد العزيز رغبته في قيادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، واجتمع بلجنة تسييره المؤقتة عدة مرات وانضم الى الاجتماعات وزراء ونواب شخصيات من الأغلبية.

وزادت حدة الخلاف الصامت بين الرئيسين بعد ان قام الرئيس الحالي بابعاد الموالين لسلفه وفتح ابواب القصر الرئاسي للمعارضين، بينما واصل الرئيس السابق سعيه لرئاسة الحزب الحاكم مؤكدا في الاجتماعات التي ترأسها انه هو المرجعية الوحيدة للحزب وليس أحدا غيره.

وبعد فترة من الشد والجذب أعلن الرئيس السابق عدم ترشحه لرئاسة الحزب الحاكم، مؤكدا ان دخوله من جديد إلى المشهد السياسي جاء بهدف الدفاع عن الديمقراطية والحريات العامة ورفض تدخل الدولة في الأحزاب السياسية، فتم عقد مؤتمر الحزب الحاكم الذي اختار في 28 كانون الأول/ ديسمبر رئيسا جديدا هو المهندس سيدي محمد ولد الطالب اعمر لتنتهي ولو مؤقتا الأزمة بين الرئيسين "الصديقين".

على المستوى الاقتصادي تم اكتشاف كميات كبيرة من الغاز الطبيعي قبالة السواحل الجنوبية، وتم توقيع اتفاقية تقاسم حقل الغاز بين موريتانيا والسينغال، ويستعد البلدان لدخول نادي الدول المنتجة للغاز الطبيعي عام 2023، وذلك مع بداية الإنتاج في حقل "السلحفاة الكبير" المشترك بينهما.

وعلى المستوى الرياضي تأهل منتخب موريتانيا لأول مرة في تاريخه لبطولة أمم إفريقيا لكرة القدم، بعد احتلاله المركز الثاني في مجموعته بالتصفيات المؤهلة للكان، والتي ضمت منتخبات أنجولا وبوركينافاسو وبوتسوانا.

وأوقع الحظ العاثر موريتانيا في مجموعة قوية ضمت تونس ومالي وأنجولا، حيث انهزم المنتخب الموريتاني في بداية مشواره في البطولة الإفريقية بأربعة أهداف لهدف أمام مالي، لكنه استعاد توازنه وتعادل سلبيا مع أنجولا في الجولة الثانية وتونس في الجولة الثالثة.

وسجل منتخب موريتانيا أول أهدافه في بطولة كأس الأمم الأفريقية، في أول ظهور له بالبطولة القارية، حين أحرز الحسين العيد هدفًا في مرمى مالي ضمن مباريات المجموعة الخامسة ببطولة كأس الأمم الأفريقية 2019.

وفقدت موريتانيا خلال عام 2019 عددا من الشخصيات أبرزها الرئيس السابق محمد ولد الولي، والمناضلة الحقوقية عيشة كان أول وزيرة في البلاد، والمخرج السينمائي المعروف محمد هندو، والموسيقار الذي عزف أول نشيد وطني موريتاني سيداتي ولد آبه.

أفكارك وتعليقاتك