إصدار "إعلان أبوظبي للمواطنة الشاملة" في ختام الملتقى الثامن لمنتدى تعزيز السلم 2021

إصدار  "إعلان أبوظبي للمواطنة الشاملة" في ختام الملتقى الثامن لمنتدى تعزيز السلم 2021

- أطلق منتدى تعزيز السلم هُويته الجديدة ليصبح "منتدى أبوظبي للسلام".

- نقلة نوعية جديدة على طريق التسامح تسجلها دولة الوئام وعاصمة الأخوة والسلام.

- أشاد الملتقى السنوي الثامن لمنتدى تعزيز السلم بنموذج دولة الإمارات في تجسيد المواطنة الشاملة.

- اقترح المؤتمرون تعميم النموذج الإماراتي كفضاء رحب للإنسانية والتسامح والمواطنة الشاملة.

- أوصى البيان الختامي بتطوير مناهج التربية على المواطنة الشاملة.

- تأسيس منصة إلكترونية لمتابعة التوصيات والاقتراحات وبلورة الأفكار.

- تأسيس فرع لمنتدى تعزيز السلم يُعنى بتعزيز التسامح وبث قيم المواطنة الشاملة في إفريقيا جنوب الصحراء.

- تشجيع وتكثيف لقاء القيادات الدينية لإبراز دور الدين في بناء الجسور بين الثقافات.

(تستمر)

- أعرب المشاركون في ملتقى المنتدى الثامن عن خالص تهانيهم لدولة الإمارات بمناسبة خمسينية تأسيس الاتحاد.

أبوظبي في 7 ديسمبر/ وام / أصدر "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" في ختام أعمال ملتقاه السنوي الثامن اليوم "إعلان أبوظبي للمواطنة الشاملة" لتسجل دولة الإمارات واحة السلام وموطن الأخوة والوئام، مرة أخرى، نقلة نوعية على طريق الأنسنة والترشيد العقلاني الكوني.

ويشكل إعلان أبوظبي خارطة طريق؛ لمواطنة مستدامة في الدولة الوطنية، تمثل عتبة متقدمة للشراكة الكونية، القائمة على أسس أخلاقية وإنسانية، صالحة لتحقيق مبدأ الأخوة الإنسانية؛ كما تنادي بها شرائع السماء والفلسفات الروحية في العصر الراهن؛ لأنه مؤسس على وثائق التسامح الكبرى، مثل "إعلان مراكش لحقوق الأقليات"، وإعلانات أبوظبي للسلم، و"وثيقة الأخوة الإنسانية"، و"وثيقة مكة المكرمة"، و"وثيقة حلف الفضول الجديد".

هذا فضلاً عن الإعلانات والمواثيق الدولية في خلاصة التجارب البشرية والحوارات مع مؤسّسات محليّة ودوليّة ذات خلفيّات دينيّة وثقافية متعدّدة، ومنظّمات عالميّة، وشخصيّات بارزة وخبراء داعمين؛ ضمن حلقات النقاش الدورية التي أدارتها وكالة "ويلتون بارك" بين أعوام 2018 و2021م.

  وأشاد المشاركون في الملتقى السنوي الثامن لمنتدى تعزيز السلم؛ بنموذج دولة الإمارات في تجسيد المواطنة الشاملة، فعلى أرض هذه الدولة المباركة، تتعايش عشرات الأديان والثقافات والأعراق المختلفة ومئات الجنسيات في أمن وأمان ومودة واحترام. مشيرين إلى جدارة النموذج الإماراتي بالدراسة لما يمثله من فضاء رحب للإنسانية والتسامح والمواطنة الشاملة.

وأوصى المشاركون بجملة عشر توصيات: 1-  تشكيل لجان من الخبراء لدراسة ومراجعة مناهج التربية الدينية والمدنية، وتطويرها؛ حتى تأخذ في الاعتبار البعد الإنساني والأخلاقي في مجال التربية على المواطنة الشاملة.

4- تأسيس منصة إلكترونية لمتابعة التوصيات والاقتراحات وبلورة الأفكار.

5- تأسيس فرع لمنتدى تعزيز السلم يُعنى بتعزيز السلم وبث قيم المواطنة الشاملة في بعض مناطق العالم؛ كبلاد إفريقيا جنوب الصحراء.

6- تشجيع وتكثيف لقاء القيادات الدينية بغية إبراز أن الدين يبني الجسور بين الثقافات، ويمكنه أن يكون قوة للسكينة والمصالحات.

7- تكوين لجان تربوية لإعداد برامج تعليمية للتربية على المواطنة.

8- تأسيس مركز بحثي ضمن منتدى أبوظبي للسلم يتخصص في قضايا المواطنة والهوية؛ وفق رؤية المنتدى للتعددية والتنوع.

9- إصدار مجلة أكاديمية محكمة خاصة بقضايا المواطنة تجمع بين التخصصات الدينية والإنسانية، وتبني الجسور بين المختصين في الدين والفلسفة.

10- عقد شراكات بين المنتدى والمؤسسات الدينية والجامعية الحكومية والخاصة، المحلية والدولية؛ لتفعيل مضامين إعلان مراكش وحلف الفضول الجديد، وميثاق المواطنة الشاملة.

 وبارك المشاركون في الملتقى للمنتدى؛ إطلاق هويته الجديدة، التي حملت اسم عاصمة السلام والتسامح وفضاء التعايش والمحبّة، فصار اسمه "منتدى أبوظبي للسلم"؛ ليبني على النجاحات السابقة، ويعبر إلى فضاءات الإبداع السامقة، بتوفيق الله وعونه.

  وأشاد المشاركون في هذا المؤتمر؛ بجهود العلامة الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم في مد الجسور مع العقلاء والحكماء من كل الاديان والمذاهب والمشارب، ويثمنون مساعيه العلمية والعملية؛ لتوحيد الجهود، وتصحيح الوجهة على أرضية القيم الإنسانية المشتركة؛ لما فيه خير الناس جميعا.

  ويطيب للمشاركين في الملتقى السنوي الثامن لـ"منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" أن يعبروا عن صادق تهانيهم لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ بمناسبة اليوبيل الذهبي لخمسينية تأسيس الاتحاد، ويعربون عن فائق شكرهم وجزيل ثنائهم؛ لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ على تيسيرها انعقاد هذا الملتقى في أوانه المعتاد وبمستواه المعهود؛ بأفضل السبل المتاحة في هذه الظروف الاستثنائية. وأن يرفعوا أسمى مشاعر الامتنان لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله وبارك في عمره، وإلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي، وإلى أصحاب السمو حكام الإمارات؛ حفظهم الله جميعا.

ويضرع المشاركون في هذا الملتقى إلى العلي القدير، أن يشمل بواسع رحمته وسابغ كرمه الشيخَ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي كان ملاذا في الأزمات للقريب والبعيد، وأن يديم على الإمارات العربية المتحدة نعمة اليد العليا، ويحفظها من شر كل وباء وبلاء، وسائرَ بلدان العالمين.

وتواصلت الجسلسات في اليوم الثالث، وعقدت أولاها برئاسة السفير تيمو هينو- وزارة الخارجية الفنلندية، وتناولت محور "المواطنة الشاملة في أفق المواطنة العالمية"، الذي بحث موضوعي "المواطنة الكونية" و"إشكالات الهجرة والاندماج – نحو ضيافة إبراهيمية". وتحدث كل من مفتي الديار الهندية أبو بكر مولاي ألنجابويل، والحاخام ديفيد سبرستين، المدير الفخري لمركز العمل الديني لليهودية الإصلاحية، وسفير الحريات الدينية في وزارة الخارجية الأمريكية سابقا – الولايات المتحدة، والدكتورة عزة كرم، الأمين العام لمنظمة أديان من أجل السلام.

  أما الموضوع الثاني فتحدث فيه كل من الدكتور ابراهيم مشروح- مدير تحرير مجلة السلم – المغرب، والدكتور روفين فايرستون- أستاذ كرسي ريغنشتاين في اليهودية والإسلام في العصور الوسطى في كلية الاتحاد العبري- المعهد اليهودي للدين، الولايات المتحدة، والدكتور راسل روك، الشريك المؤسس، منظمة"GOOD FAITH PARTNERSHIP"       وقال سبرستن يجب أن نبقي المعايير الحقيقية للإنسان قابلة للتطوير بغرض الاستدامة سواء للأقليات والأطفال وذوو الهمم، فكلهم لهم الحقوق عينها في مختلف الأديان، ويفترض أن تحفظه الدساتير والقوانين مختلف البلدان. أما نحن كيهود فمنفتحون على الحوار وتبادل الأفكار لنؤسس حياة أفضل قائمة على المواطنة العالمية. وأكد على ضرورة تأسيس قوانين عالمية تحمي هذه الحقوق وتحقق تطلعات البشرية؛ لأن جميع أبناء الأسرة الإنسانية يتشاركون الحياة بسعاداتها ومشكلاتها. ولا حظ أن هناك أكثر من 17 مليونا مشرد، وأكثر من عشرين مليون لاجىء، وهذا لم تشهده البشرية في الماضي، فإلى أين نمضي؟  وأضاف سبرستن: علينا أن نتصدى لهذه المشكلات فهي من صميم المواطنة العالمية؛ لأن استمرار الظلم بحق فئة من الناس، ليس من الأخلاق، وليس مقبولا في كل الشرائع. وهذا ما يدعو القادة الدينيين إلى التعاون والعمل جنباً إلى جنب، فنحن نمثل خير تمثيل المواطنة العالمية التي نطمح إلى تحقيقها.

  وتحدثت السفيرة عزة كرم، فتوجهت بالتحية للدولة المضيفة وللعلامة الشيخ عبدالله بن بيه. وقالت إن ممثلي الأديان وأتباعهم هم ناشطون في الواقع بالمجالات الخدمية أو التطوعية، وهو نموذج ملهم. ويُشكر منتدى تعزيز السلم على جهود في ترسيخ المواطنة العالمية.

 ولاحظت كرم أن هناك في بعض البلدان إنعدام أبسط شروط الكرامة، فضلا عن قيم المواطنة التي نتحدث عنها. ولنعترف أن الديمقراطية جميلة، ولكن لا تزال هناك ثغرات عدة تعترض طريق تحقيق المواطنة الشاملة، كما يعمل عليها الشيخ ابن بية.

   أما الدكتور إبراهيم مشروح فتناول المواطنة الشاملة، التي تستشرف الكونية، مشيداً بجهود منتدى تعزيز السلم وما راكمه خلال السنوات الماضية. ملاحظاً أن أنه سيرصد الأسس والمنطلقات التي شكلت اللبنات الأساسية لدعوى النهوض بشرائط إقامة المواطنة الكوني؛ كأفق استشرافي للمواطنة الشاملة. واعتبر أن شروط المواطنة الشاملة والضيافة الكونية، وتضامن الشعوب، أو ما يعرف بقانون الشعوب، كفيلة بإحقاق المواطنة الكونية؛ ما لم نستحضر الشرط الأساس ألا وهو شرط السلم. وهو يجعله ينطلق في مقاربته من الأسس والمنطلقات للمواطنة الشاملة، التي يراها كما الآتي: - الأساس الديني ومنطلق الضيافة الإبراهيمية: من الضيافة الكونية إلى المواطنة الكونية؛ - الأساس الفلسفي ومنطلق الكونية "المواطن والغريب"؛ - الأساس السياسي ومنطلق المواطنة - الأساس الاجتماعي ومنطلق المواطنة الشاملة؛ - الأساس القانوني- الأخلاقي: ومنطلق الضيافة الكونية وقانون الشعوب؛ أما في الخروج من نموذج الهجرة إلى نموذج المواطنة الكونية،ىفنرى ضرورة الخروج من النموذج الإرشادي "البرادايغم" التقليدي للمواطنة القطرية إلى النموذج الإرشادي الجديد للمواطنة الكونية؛ ففي هذا السياق، لن تحظى الهجرة بذلك الوصم القائم على ثنائية المقيم/المهاجر حيث الإقامة تفرضها السياسة الضيقة لدولة قطرية، بل سيكون الفرد متمتعا بالضيافة الكونية التي تزيح عنه كل قيد تفرضه مواطنة محدودة. وختم: قد يبدو التنظير للمواطنة الكونية انطلاقا من المواطنة الشاملة مجرد طوبى، أو حلم فلسفي، بيد أن من يجيل النظر وهو شهيد، لن يعدم دليلا على كون الطوبى إنما تكون في الأفق المُشْرعِ على ما في أيدي الإنسان من إمكان.

أما الجلسة الثانية من فعاليات اليوم الثالث، فعقدت برئاسة الدكتور خليفة الظاهري، المدير التنفيذي لمركز الموطأ للدراسات والتعليم، نائب مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية. وعقدت تحت عنوان "التغير المناخي والحفاظ على البيئة - الواجب المشترك"، وتحدث فيها كل من الأستاذ راميس كينت، مستشار ومدير الزراعة المستديمة ومنظمة السلام - المملكة المتحدة، والحاخام جوناثان ويتنبرغ، الرئيس المشارك، كبير الحاخامات في MASORTI JUDAISM، SYNAGOGUE - المملكة المتحدة، والبروفيسورة عائشة حدو، رئيسة مركز " تعارف للبحث والتكوين في العلاقات بين الأديان".

  افتتح الجلسة الدكتور خليفة مبارك الظاهري، منوهاً أن المواطنة قيمة كبرى في المنظر الديني عموماً، كما في الرؤى الفكرية والفلسفية المختلفة الاتجاهات. وهذا ما تنطلق منه دولة الإمارات العربية المتحدة؛ في بناء عملية الإنسان، التي بدأت مع المؤسس الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه". ولذلك صارت المواطنة في دولتنا الحبيبة نموذجاً عالمياً للعيش السعيد. وهذا يندرج في صميم لب الأنسنة؛ بكل ما تعنيه من تطور وحداثة إنسانية قائمة على التسامح، أو في إطار خطاب وثقافة السلم عموما، التي يرتقي بها فارس التسامح، صاحب السمو محمد بن زايد آل نهيان، إلى مدارات أخلاقية ودينية وإنسانية جديدة، تحظى باهتمام العالم.

   وتحدث معالي إلياس جمال وزير الشؤون الدينية في جزر المالديف، فتوجه بالشكر والتقدير ‘لى دولة الإمارات الدولة الإنسانية بامتياز، سواء من حيث البنى الاجتماعية والإقتصادية التي تقوم على أساس تحقيق السعادة للإنسان، أو على مستوى وقوفها إلى جانب كل شعوب الأرض؛ عندما تقتض الأمور تقديم المساعدات. كما أثنى معاليه على معاليش الشيخ عبدالله بن بيه، وما يقوم به في خدمة الإنسان إتطلاق من تعزي التسامح وترسيخ السلام ومن متفرعاته موضوعنا في هذا الملتقى.

 أما راميس كينيث فقال إن الاقتصاد والمواطنة والمعتقدات كلها أفكار مترابطة تخص الإنسان، هذا من جهة أولى، وكل شؤون الواقع لها إدارات إذا أردنا لها أن تقوم بدورها كما يجب. ولذلك يكون من الطبيعي ان يندرج موضوع المواطنة في الإدارة السياسية للشأن الإنساني. ولهذه الأسباب تقوم مشكلات المواطنة؛ لأن السياسة في الغالب محكومة بالمصالح حزبية أو الفئوية الضيقة. ما يستعي حضور الأخلاق في الإطار الفكري أو القانوني للمواطنة. وهذا ما يقوم به معلمي الشيخ عبدالله بن بيه.

   وعرض كنيث المشكلات البيئية التي تستفحل مع مرور الوقت؛ بسبب الفساد وجشع الإنسان في الاستهلاك. وهذا يحتم مرة أخرى مقاربة المواطنة في إطار أخلاقي؛ لأننا نعيش في بيئة واحدة  متمثلة بكوكب الأرض. ولذلك يتعين علينا الإسراع في مواجهة التحديات البيئية.

  كذلك تحدث الحاخام جوناثان ويتنبرغ، فلاحظ أن الرعاية البيئية هي من ضمن القيمية الأخلاقية الرئيس في المنظور الدين في اليهودية كما في كل الأديان السماوية والفلسفات الروحية؛ لأن الإنسان ليس فوق الطبيعة، وليس منفصلاً عنها، وإنما هو جزء منها، ويفترض أن يتكامل معها. وختم متسائلا: مالذي ينبغي علينا القيام به؛ لتلافي أخطار التلوث البيئي؟ داعيا إلى تركيز الجهود في هذا الشأن، واقترح أن المدخل إلى ذلك ما سماه التوبة، أي التوقف عن الإساءة للبيئة.

 أما البروفيسورة عائشة حدو فاعتبرت أن مشكلات البيئة مسؤولية أخلاقية وإنسانية، وعلى المفكرين والفلاسفة أن يبذلو جهداً أكبر في التعاون مع العلماء أمثال الشيخ ابن بيه؛ لإبداع حلول واقعية وممكنة، وهي مسؤولية لا تعفي أحدا؛ لأننا لاخيارات لنا، فعلاقاتنا كما يجب أن تكون مع الآخر وفق منظور رؤى التسامح والسلم، كذلك الأمر يجب أن تكون علاقتنا بالبيئة.

أما الجلسة الثالثة فعقدت برئاسة الد كتور محمد السنوسي، مدير شبكة صانعي السلام، عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم. وتضمنت حوارات مفتوحة حول موضوع المحورالخامس وهو بعنوان "ميثاق المواطنة الشاملة- دعوة مفتوحة إلى الالتزام"، وناقشت "وثائق ومبادرات على طريق المواطنة الشاملة - إعلان مراكش، وثيقة الأخوة الإنسانية، وثيقة مكة المكرمة، ميثاق حلف الفضول، مشروع ويلتون بارك". وتحدث فيها كل من فضيلة الدكتور مصطفى سيريتش- عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم، والدكتور أرسلان سليمان، مستشار، زميل في معهد دراسة الدبلوماسية، جامعة جورج تاون- الولايات المتحدة، وأليسون هيلارد، مديرة البرامج، ويلتون بارك، المملكة المتحدة.

   وقال تيسيريتش إننا جميعاً يمكننا التفاق، على حقيقة أننا نواجه أزمات مختلفة بيئية وصحية والفقر والحروب. ولكنني أود أن أقارب هذه الأزمات من خلال فكرتين، واحدة كانت تسود الفكر، والأخرى عادت مجدداً تتقدم الفكر الإنساني، الأولى هي الجدلية، التي كانت تقارب الحلول للمشكلات إنطلاقاً من الحاجة المادية، والثانية المقاربة الروحية، أي ضرورة عودة حضور الدين والأخلاق في مقاربات مشكلاتنا، وهو ما يحتم على المسلمين بالدرجة الأولى أن يظهروا للعالم من خلال حوار جدلي/ديالكتيكي يقول إن المسلمين لا يخشون السلام، الذي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الروح الإنسانية الحقيقية، ومن خلال العقل البشري المنفتح والقلب الصادق. وهي الخصائص الأخلاقية والإنسانية؛ لروح ونفس وعقل وقلب آخر الأنبياء والرسل، محمد بن عبدالله "ص". وتوقف عن عشر وثائق تاريخية ومعاصرة، شكلت محطات مهمة في مفاهيم المواطن. مبينا أن "وثيقة المدينة" تحتل من بينها جميعاً؛ المكانة المعرفية والرمزية الأولى.

  وعرض تيسيريتش وثيقة المدينة، ووثيقة ماجنا كارتا، ووثيقة نوسترا إيتاتي، وميثاق حلف الفضول، ووثقة الأخوة الإنسانية، ووثيقة مكة المكرمة. وختم معبتراً أن "ميثاق مكة" يلخص جميع الوثائق والمواثيق التاريخية السابقة التي تؤكد الفكرة الأساسية لـ"صحيفة المدينة" حول ضرورة السلام والأمن من أجل الحفاظ على عالم متعدد الأديان والثقافات وتعزيزه.

 أما الدكتور أرسلان سليمان فلاحظ أن جميع الوثائق والمحطات التي تحدث عنها المفتي تيسريتش، هي في الواقع شكلت نقلات متقدمة باتجاه دعم وتعزيز قيم المواطنة. ولكن مشروع الشيخ ابن بيه في المواطنة الشاملة تشكل أفقا كونياً، للتفكير وممارسة المواطنة العالمية؛ من خلال برامج تربوية وتعليمية وأنشطة إنسانية تترجم الأفكار والتصور في الممارسات العملية.

أما أليسون هيلارد فعرضت تجربة ويلتون بارك في حوارارات المواطنة وخاصة مع منتدى تعزيز السلم برئاسة معالي الشيخ عبدالله بن بيه، بدءاً من لقاءات روما وواشنطن وأبوظبي. ولاحظت أن هذه الحوارات انتهت إلى وضع خارطة طريق نحو مواطنة شاملة.

 وقالت هيلارد " إننا خلال هذه الحوارات شكلنا تحالفاً فريداً يضمن 12 شخصية مميزة وعشر منظمات أو مؤسسات عاملة في صناعة التسامح والسلام من ممثلي المسلمين والمسيحيين في الشرق الأوسط. وأضافت أنها تتطلع باهتمام إلى ميثاق المواطنة الذي يعمل عليه منتدى تعزيز السلم في ابوظبي. آملة أن تجري ترجمتها في السياقات الاجتماعية والسياية والقانونية. وأنها تنظر بخالص التقدير إلى جهود الشيخ ابن بيه ومنتدى تعزيز السلم".

وعقدت الجلسة الرابعة برئاسة الدكتور أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية – مصر، وتضمنت عرض نماج عن تجارب المواطنة، تحت عنوان "نماذج وتجارب عالمية ناجحة في التنوع والتعايش السعيد"، وتحدث فيها كل من الدكتور عمر حبتور الدرعي- المدير العام لمجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، عن النموذج الإماراتي في التسامح – دولة الإمارات العربية المتحدة، وعن النموذج السنغافوري، تحدث فضيلة الأستاذ إروان هادي، نائب مدير السياسات واللوائح الدينية، المجلس الديني الإسلامي – سنغافورة، وعن النموذج الفنلندي فضيلة بيا جاردي، رئيسة المجلس الفنلندي المشترك بين الأديان- فنلندا، وعن نموذج تتارستان فضيلة الشيخ سميع الله- مفتي جمهورية تتارستان.

وقال الدكتور محمد بشاري إن مفهوم الموطنة يمكن النظر إليه من خلال مفهومي الوطن والأمة، اللذان طالما اختطفت جوانبه جماعات الإسلام السياسي، لإحداث شرخ يسمح لها بالتغلغل من خلاله، محطمةً سياجاً ركائز أساسية في عماد الدول واستكانتها، وعابثةً في طمأنينتها من خلال التلاعب بالألفاظ والأفكار، دون رعاية ما للأوطان من ارتباط وصيانة للسيادة، والجنسية، والدفع بالمشتركات الثقافية، وحماية الحريات الدينية، وديمومة التناغم والوئام بين كافة العناصر المركبة للمجتمع ككل، وفي إغفال هذه المعاني المؤدية لصون القيم، وفي إعلاء المصالح الشخصية والنوازع الفردية على مصلحة الكل، ووحدة الإنسان والإنسانية، اندفعت العديد من "المحركات التحريضية"، على إذكاء فتيل الفرقة والتشرذم متخفيةً وراء شعارات الفرقة الناجية، ومتطفلةً على اعتقاد المرء وأقصى درجات إيمانياته، ومحاولة إجباره على انتهاج ركبهم، أو الوعيد بالنار، التي لم يفرضها بهذه الصيغة رب الأرباب، الحق سبحانه وتعالى.

وختم بشاري: من أبوظبي تنطلق مبادرة العلامة الشيخ عبدالله بن بيه الى الانتقال من المرحلة التعاقدية والتشاركية في بناء الأوطان؛ إلى وضع نظام عالمي جديد، مؤسس على منظومات قيمية متفاعلة في ما بينها؛ لتحقيق الأمن الروحي و الفكري لبني البشر؛ باستقرار الدول و السياسات الناظمة للشأن العام الإنساني منها، فيحقق بذلك الانتقال الى التمازج الوجداني المنشود.

وتحدث إروان هادي عن التجربة السنغافري، معتبراً أن أهم مميزاتها، أنها قامت على الحوار المفتوح مع الشباب، وبخاصة أنهم اليوم يشكلون مساحة واسعة من وعي المواطنة من خلال قدرتها على التواصل واستخدام وسائط التواصل الاجتماعي. ملا حظاً أن حكم القانون وسيادة الموسسات يأتي في المرتبة الثانية في بناء إطار المواطنة الشاملة. وهذا العنصران شكلا عاملان في انفتاج المجتمع السنغافوري على بعض مختلف التشكيلات الإثنية والعرقية.

وختم إروان بتوجية تحية صادقة إلى دولة الإمارات التي تشكل نموذجاً راقياً للمواطنة، كما توجه بالشكر إلى معالي الشيخ عبدالله بن بيه، الذي يقدم رؤى خلاقة للتواصل الإنساني؛ بأرقى الصور العقلانية الممكنة.

  أما بيا جاردي فتوجهت بالشكر إلى الشيخ ابن بيه ، ورفعت أحسن التهنئة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، في عيد تأسيهسها الخمسين. وتحدثت عن التجربة الفنلندية، مستهلة بالتكيلات الدينية والإثنية، ملاحظة أن فنلندة على صغر عدد سكانها، إلا أنها لديها مجموعة كبيرة من المهاجرين واللاجئين، إلا أنها تشكل بنية مجتمعية مواطني نظن أنها رائعة.

 وقالت إن هذه التجربة بدأت منذ فترة ليست طويلة، وبدأت فعليا مع الرئيسة السابقة تيرا هيرن، التي دعت قادة وممثلي الأديان من غير المسيحيين، وطالبتهم بالبدء الحوار حو تشكيل مجلس يضم جميع الأديان، والبدء بحوار جاد، حول المستقبل الذي نريده معاً. وفي هذا الإطار جرى تشكيل هذا المجلس 2006، وكان يضم بشكل رئيس عضوين من المسلمين ومثلهما من اليهود، والنصف من النساء. وأضيف لاحقاً المورمونيون وآخرين إلى المجلس؛ كي يشارك الجميع بدورهم في الحوار المجتمعي. ولفتت النظر إلى أن المجلس ينتظر انضمام التحالف الهندوسي. مؤكدة أن هذا المجلس شكل جسراً لإقامة علاقات ثقافية، تؤهل للقيام بحوار جيدة حول كل المشكلات التي تواجه مجتمعنا. مؤكدة أن المجلس الإسلامي قام بترجمة إعلان مراكش، الذي لاقى قبولا ليس بقليل، وأخذ يؤسس لنوع من العلاقات الجديدة؛ تتسم بالضيافة الإبراهيمية؛ بين أبناء مختلف الديانات.

وأخيراً؛ تحدث الدكتور عمر الدرعي عن التجربة الإماراتية، ملاحظاً أن من جميل المفارقات أن يتوافق الملتقى الثامن لمنتدى تعزيز السلم، بموضوعه الافت "المواطنة الشاملة"، مع اليوبيل الذهبي لتأسيس دولة الإمارات التي عرفت بالسماحة والأخوة إلى جميع الناس. وهي من نعم الله أن يكون الموضوع من أهم سمات دولتنا الحبيبة.

وتحدث الدرعي عن خصوصية صدق التصالح مع الذات ومع الآخرين، الذي لعب الدور الأبرز في هوية الإمارات المجتمعية، التي شكلت حالة ريادية ومتمايزة في المنطقة. ملاحظاً أن مفهوم المواطنة في دولة الإمارات يقوم على مركزات، أهمها السماحة مع التنوع والتعدد، الأمر الذ يجعل المجتمع متناغما ومنسجماً. الركيزة الثانية مساواة المواطنين جميعاً أما القانون. ولذلك لا نعرف في الإمارات مصطلح الأقليات والأكثريات، فالمواطنين والمقيمين هم أفراد أعضاء في المجتمع في حماية القانون.

والمرتكز الرابع هي حزمة من القوانين تمنع ازدراء الأديان وتحمي المعتقدات من ضمن حماية المواطنة؛ بحزمة من القوانين تؤسس للعيش الكريم والسعادة المنشودة. وآخر المرتكزات السمة الإنسانية، التي تعتبر فلسفة معتمدة في دولتنا منذ قيامها، وهو ما أدى إلى تشكيل وزارة التسامح.

  أما الدكتور الأزهري، فعرض التجربة المصرية تاريخياً، وكيف احتضن الإسلام الكانئس؛ باعتبارها من عمران البلاد، وفق فتاوى علماء الإسلام من أمثال الليث بن سعد. ملاحظاً أن حماية التنوع الديني عريقاً في مصر، فضلاً أنه من ضمن البعد الشرعي الإسلامي. وتحدث عن ما يعرف ب"العهد المحمدي" مع أهل دير سانت كاترين، حيث يشُهد الرسول الكريم أصحابه ومن تبعه أو والاه على حماية الرهبان وأهلهم في هذا الدير. ولا يزال العهد بنسخته الأصلية حتى يومنا هذا، وهو الذي يؤسس للعلاقة مع المسيحيين.

وعقدت الجلسة الخامسة  تحت عنوان" حوارحلف الفضول الجديد"، وتحدث فيها كل من الدكتور محمد السنوسي، عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم، والقس الدكتور بوب روبرتس، مؤسس ورئيس مؤسسة القسيس العالمي، الولايات المتحدة، وفضيلة الإمام محمد ماجد، الإمام التنفيذي للمجتمع الإسلامي لعموم دالاس""ADAMS - الولايات المتحدة، والدكتور ويليام فيندلي، الأمين العام الفخري لمنظمة الأديان من أجل السلام سابقا - الولايات المتحدة، والدكتور ستيف بيزنر، كبير القساوسة، كنيسة هيوستن الشمالية الغربية- الولايات المتحدة، والحاخام شوشانا بويد غيلفاند، رئيس منظمة IJCIC""، الولايات المتحدة.

أما الجلسة الختامية من فعليات الملتقى الثامن، فعقدت برئاسة سعادة السفير تركي الدخيل- سفير خادم الحرمين الشريفين في دولة الإمارات العربية المتحدة، وناقشت في "مشروع ميثاق المواطنة الشاملة- دعوة مفتوحة إلى الالتزام"، وتحدث فيها كل من الدكتور عارف النايض- مؤسس ورئيس مجلس إدارة كلام للبحوث والإعلام – ليبيا. وتحت عنوان "فرص وإمكانات صنع عالم أفضل - كيف يمكن أن تسهم المواثيق والاعلانات في بناء مستقبل أجمل"، تحدث كل من الدكتور رضوان السيد- عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم، والأب البروفيسور توماس شيرماكير، الأمين العام والرئيس التنفيذي للتحالف الإنجيلي العالمي – الولايات المتحدة، والأب الدكتور روي ميدلي، الأمين العام الفخري للكنائس المعمدانية – الولايات المتحدة، والكاردينال جون أولورونفيمي أونايكان- رئيس أساقفة أبرشية أبوجا – نيجيريا، والحاخام يهودا سارنا حاخام الجالية اليهودية في الإمارات.

وقدم الدكتور رضون السيد ورقة بعنوان "وثائق ومبادرات على طريق المواطنة الشاملة" ملاحظاً أن "المُواطنة" عندما كانت تُذكر في البيانات والإعلانات الصادرة عن الهيئات والمؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية حتى العام 2015؛ فقد كان غرضُها الأول التصدي للتيارات المتطرفة والجهادية، التي تُنكرعلى غير المسلمين في الدول العربية حقّهم في الحياة والكرامة وحريات التدين والعبادة.. والمواطنة. أما خلال السنوات الست الماضية فتغير فتغير الإتجاه، وبخاصة بعد إصدار إعلان مراكس لحقوق الأقليات الذيىافتتح عهداً جديداً في التعليل والتدليل والتأصيل والتأويل وفتح الآفاق. وظهر الأمر عينه على إيجاز في إعلان الأزهر للمواطنة  والعيش المشترك، الذي مثل إعلان مراكش للخروج من فكرة الأقلية والأكثرية.

وأوضح السيد أن إعلان مراكش أسس مبدأ المواطنة على كلي القرآن، و"صحيفة المدينة"، وكلي العصر والزمان، وهو أساس صالح للمواطنة التعاقدية في المجتمعات الإسلامية. موضحاً الكلي عند المناطقة وعند علماء الشريعة يعني اليقيني ويعني الشامل.

وقال السيد إن عقد رسول الله وعهده وكتابه أو دستوره، هو توافقي من دون نزاع ولا غلبة. ولاحظ أن رؤية الشيخ عبدالله بن بيه في صحيفة المدينة، تتوسط التجربة السياسية النبوية بين كلي القرآن وكلي العصر والزمان. وهو ما جعله يصل إلى حلف الفضول الجديد، الذي يؤكد على التضامن والسلام، كما هو شأن وثقتي مكة المكرمة والأخوة الإنسانية.وأشار إلى أن ميثاق حلف الفضول الجديد يدعو الإبراهيميين لاستثمار الفضائل في خدمة السلام والتضامن والمشترك الإنساني، بينما تدعو وثيقة الأخوة الإنسانية لنشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام وتُدين الحروب والصراعات.

فيما يلي نص البيان الختامي للملتقى الثامن لمنتدى تعزيز السلم.

أبو ظبي 30 ربيع الثاني إلى 2 من جمادى الأول 1443 هـ / 04-07 ديسمبر 2021م الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد فانطلاقا من قول الله عز وجل "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ "27" وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ "28"، سورة فاطر".

واستجابة للتّحديات الوجودية التي تواجه الإنسانية جمعاء، جراء وباء كوفيد 19 المستجد "كورونا" الذي غيّر برامج وخطط البشرية، وأعاد ترتيب أولوياتها وساءلَ توجّهاتها القيمية.

ووعيا بأنّ الواقع الجديد قد ارتقى بالمواطنة إلى مرتبة كلي الزمان، مما يتقضي المزيد من البحث المنهجي بغرض التوصل إلى صيغة نموذجية تقدم مفاهيم جديدة للمواطنة الشاملة، مستمدة من النصوص الدينية ومراعية للسياق الحضاري المعاصر المتمثل في الدساتير الوطنية والمواثيق الدّولية.

انعقد بأبوظبي الملتقى السنوي الثامن لـ"منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" حول " المواطنة الشاملة: من الوجود المشترك إلى الوجدان المتشارك"  من 30 ربيع الثاني إلى 2 من جمادى الأول سنة 1443 هـ الموافق لـ 04 إلى 07 ديسمبر 2021م برعاية كريمة متواصلة من سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات العربية المتحدة -حفظه الله- وبإشراف ومتابعة من معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش بدولة الإمارات العربية متحدة، وبرئاسة معالي العلامة الشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة ورئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي.

وقد احتضن مئات المشاركين ما بين وزراءَ وممثلي منظمات أممية ومسؤولي منظمات إسلامية وسفراءَ وممثلي هيآت حكومية ومراكزَ ومنظماتٍ دولية ومفتين وعلماء وقضاةٍ وقياداتٍ دينيةٍ ومفكرينَ وشخصياتٍ أكاديمية ونواب برلمانيين وغيرِهم. كما حظي الملتقى بمتابعة الالاف لجلساته وأعماله عبر المنصات الالكترونية و مواقع التواصل الاجتماعي، وقد افتتح المؤتمر في رحاب معرض اكسبو 2020 دبي بكلمة لمعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان عضو مجلس الوزراء، وزير التسامح والتعايش، والمفوض العام لإكسبو 2020 دبي وجاء فيها " أن دولة الإمارات العربية المتحدة ، وهي تحتفل في العام القادم ، بمرور خمسين عاماً على تأسيسها ، قد حددت لنفسها ، هدفاً رئيسياً في الخمسين عاماً القادمة ، وهي أن تظل هذه الدولة دائماً ، وهي الدولة التي تتخذ من القيم والمبادئ الإنسانية ، أساساً قوياً ، لمسيرتها ، وعلى نحوٍ تتأكد فيها دائماً ، قيم التسامح والتعايش والتكافل والعدل ، والسعي إلى تحقيق الخير للجميع ، دونما تفرقةٍ أو تمييز ".

كما شارك في الجلسة الافتتاحية أصحاب المعالي الشيخ الدكتور محمد عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسمين، والشيخ نور الحق قادري وزير الشؤون الدينية والوئام بين الأديان بجمهورية باكستان.

وقد تناولت جلسات الملتقى محاور مختلفة، من أهمها: تحديد مفهوم "المواطنة الشاملة" من خلال نقاش سياقات نشأته ومسارات تطوره، ومدى راهنيّته والحاجة إليه، والإجابة عن أسئلة المقومات القيمية للمواطنة، وإفساح المجال للتأصيل الشرعي، وإبراز دور الدين الإيجابي في بناء المواطنة، ومناقشة التحديات التي تواجه البشر كمواطنين على كوكب الأرض.

وتدارس المشاركون نماذج إيجابية في التعايش والتسامح والمواطنة الشاملة في كل من الامارات وفنلندا وسنغافورة ومصر.

وخصصت الجلسة العلمية الأخيرة لنقاش فرص وإمكانات صنع عالم أفضل "كيف يمكن أن تسهم المواثيق والاعلانات في بناء مستقبل أجمل".

وقد خلص المشاركون في الملتقى الثامن لمنتدى تعزيز السلم بعد تبادل وجهات النظر في القضايا المدروسة، مستحضرين خصوصية الظرفية العالمية وانفتاح مآلات المجتمع الإنساني على كل الاحتمالات المرجوة والمخوفة، إلى ما يلي: أولا- النتائج: 1- كانت المواطنة في المفهوم التاريخي تقوم على العرق أو الدّين أو الذاكرة المشتركة أو على عنصر نقاء النسب، الذي يؤدي إلى تقسيم المواطنين إلى درجات كمـا كان عند الرومـان أو العرب في عصر ما قبل الإسلام.

2- في العصور الحديثة، وفي سياق ما شهدته البشرية من التمازج والتواصل وغلبة سمة التنوع في كلّ أقطار المعمورة؛ صارت المواطنة اختيارا طوعيا على نحو تعاقدي يضمن لأحدث مواطن نفس الحقوق التي كانت لأقدم عضو، فلا فرق بين الأول والأخير والأصيل والدخيل.

3- استقر مفهوم المواطنة على كونه رباطا أو رابطة اختيارية معقودة في أفق وطني يحكمه الدستور، يتسامى على الفئوية والقبلية، لكنه لا يلغيها بالضرورة، وإنما المطلوب أن يتواءم معها ويتعايش معها تعايشاً سعيداً.

4- أحدثت العولمة المعاصرة وعيا عميقا بدرجة التشابك بين مصائر الشعوب وأوضاعها، وبما استجدّ في العالم المعولم من أسباب التمازج الحضاري والعيش المتصل، وهو ما أوجب التفكير في المواطنة المحلية في أفق المواطنة الكونية.

5- أثبت الواقع أن مبدأ المواطنة في حاجة إلى مزيد من البحث المنهجي بغرض التوصل إلى صيغة نموذجية تقدم مفاهيم جديدة للمواطنة الشاملة، مستمدة من النصوص الدينية ومراعية للسياق الحضاري المعاصر.

6- يقوم مفهوم المواطنة الشاملة على أساس السمو على مجرّد الاعتراف إلى التعارف، وبه يتم تجاوز ضيق الذّوات إلى فُسحة المشترك، وينتقل من الهويات الحرجة إلى الوحدة الواسعة، وحدة مجتمع الإنسانية الكبرى.

7- يرتبط مفهوم المواطنة الشاملة بروح ركاب السفينة، ويضمن جعل ثمرات العقول مبذولة لفائدة الجميع ويخلق التنافس الإيجابي بين مكونات العائلة الإنسانية في تقديم الضيافة الإبراهيمية المستندةِ إلى الكرامة الإنسانية.

8- يستند مفهوم المواطنة الشاملة على تأصيل مبدأ المواطنة الحاضنة للتنوع بالفهم الصحيح والتقويم السليم للموروث الديني والممارسات التاريخية وباستيعاب المتغيرات التي حدثت في العالم.

9- لا ينافي الدين ما وصلت إليه التجربة الإنسانية في مفهومها الحديث للمواطنة، وإن زاد عليها بالروح الأخلاقية التي يصوغها بها.

10- لا بدَّ أن نتجاوز النظرة الإقصائية للإسهام الديني في بناء نموذج إبداعي للمواطنة يتسق مع طبيعة البيئات التي يراد تنزيلها عليها، على ضوء متغيرات البنية الاجتماعية في العالم، وما أصبح يعرف بعودة الدين.

11- الهوية الوطنيّة أداة تُعبّر عن الشراكة الإنسانية والمصلحة المشتركة بين أبناء الوطن الواحد. أمَّا سائر الانتماءات كالدين، والإثنيّة، والعائلة، فهي انتماءات تُعبّر عن شراكةٍ بين أبناء الجماعة الواحدة، ولكن لا تُبرّر تصنيفهم إلى فئات متنازعة، وخاصة عندما يتعلّق الأمر بالانتماء الديني.

12- الأديان لا تدعو إلى التضامن العصبي مع أبناء الدين الواحد، على حساب التضامن مع أبناء المجتمع "القريب، والجار"، بل تدعو إلى التضامن مع سائر البشر تحقيقًا لشمولية الإيمان والأخوة البشرية.

13- لا بد من ترجمة لغة الدين إلى لغة الفضاء العمومي، لغة الحياة المدنية والقانون، والاستعارة من نصوص التاريخ لإنزالها على العصر الحاضر، مع الاحتفاظ لكل عصر بلغته وببيئته الزمانية والمكانية، واستنطاق النصوص وجمع متفرقاتها والمقارنة بينها وبين ما وصلت إليه البشرية من آراء ومبادئ تخدم المصالح الإنسانية.

14- وجب توجيه كل الجهود التأصيلية إلى جعل الانتماء الديني حافزا لتجسيد المواطنة وتحييد سلبيات تأثير عامل الاختلاف الدّينيّ عليها.

15- تعتمد المصالحة بين الهويتين الدينية والوطنية على إبراز الإحالة المتبادلة بين الديني والدنيوي في الاديان، أي بين المصالح الإنسانية والقيم الدينية.

16- للدولة الوطنية الحاضنة للتنوع باختلاف أشكالها وصورها، نفس المشروعية التي كانت قائمة في التاريخ للدولة الإمبراطورية بناء على قانون جلب المصالح ودرء المفاسد.

17- المواطنة الشاملة هي الجواب المنتظر على سياسة الهويّات المأزومة والمتقاتلة، وتمثل نموذجًا مزدوجًا للإيمان المنفتح على رحابة رحمة الله الشاملة لجميع مخلوقاته، وللالتزام الوطني الهادف لخير الإنسانية جمعاء.

18- الحقوق التي تمنحها المواطنة للجميع، لتكون راسخة، يلزم أن تقدم في إطار عقد اجتماعي يقوم على تحقيق مجموعة من الموازنات ليس فقط من الناحية القانونية بل من الناحية الروحية والنفسية كذلك.

19- المواطنة أكثر من كونها معرفة تتعلّم أو مبادئ تُلَقّن هي سلوك وممارسة تكتسب، من خلال التربية، التي تعنى بتهذيب السلوكيّات وتقويم التصرفات وتحسين الأخلاقيات. فبالتربية يكتسب الإنسان طرق العيش في الجماعة، وتتجذّر في شخصيته قيم المواطنة.

20- يحتاج تفعيل المواطنة الشاملة مقاربة دقيقة تقوم على البحث الواصب عن الملائمة والموائمة بين مقتضيات الواقع الجديد، واقع قيم العولمة وعولمة القيم، واقع التمازج الحضاري والعيش المتصل، وبين مقتضيات الخصوصية ومتطلبات المحلية.

21- إن كل مقاربة ضامنة لسلامة تنزيل مبدأ المواطنة الشاملة لا بد أن تحقّق التوازن بين محدّدات ثلاث: السياق العالمي والمعيارية الكونية، والسياق المحلي، واستراتيجية السلم بوصفها الإطار الذي ينبغي أن يقع فيه كل تحقيق للمواطنة.

22- في عصر التمازج الحضاري، لا بد من الوَعْي العميق بكلي الزمان الجديد الذي يرجّح المقاربات التشاركية، ويفرض القطع مع المنظور الصدامي الذي يُركِّز على الخصوصيات ويلغي دوائر المشترك بين بني البشر.

23- أظهرت جائحة كورونا أن الدَّولة الوطنية هي الملاذ الطبيعي والضروريُّ لدى الأزمات، فهي الخط الأول في وضع الأطر المناسبة للتصدّي لهذه التحدّيات.

24- إن الوعي بالطبيعة المعولمة للعالم المعاصر ينبغي أن يستوعب ويتسامى على الفروق المجتمعية والتباينات التاريخية والثقافية، والخصوصيات المحلية دون أن يلغيها أو يتجاهلها.

25- لا يمكن أن نؤسس لمواطنة متينة متجذرة في نسيجها المجتمعي إلا بالحرص على ربط مفاهيمها بثقافتها الموروثة، فلا يغترب الناس عن موروثهم وتلتبس عليهم المفاهيم مما قد يكون ذريعة للإخلال بالسلم الأهلي.

26- الحقوق المقوّمة للمواطنة لابد عند تنزيلها من مراعاة سياقاتها المكانية والزمانية ومآلاتها، بحيث يحرص على تحقيق الموازنة بين الحقوق الجمعية والحقوق الفردية وبحيث يحافظ على النظام العام.

27- لا سبيل إلى تحقيق مواطنة شاملة، توائم بين إطلاقية المبدإ ونسبية التنزيل إلا من خلال استراتيجية السلم، فبدون سلام لا حقوق.

28- وتتويجا لهذا المسار، صدر عن ملتقانا هذا العام "إعلان أبو ظبي للمواطنة الشاملة"، إعلانا مؤسسا على وثائق التسامح الكبرى، مثل إعلان مراكش لحقوق الأقليات، وإعلانات أبوظبي للسلم، ووثيقة الأخوة الإنسانية، ووثيقة مكة المكرمة، ووثيقة حلف الفضول الجديد. وكذلك الحوارات المتعددة مع مؤسّسات محليّة ودوليّة ذات خلفيّات دينيّة وثقافية متعدّدة ومنظّمات عالميّة وشخصيّات بارزة وخبراء داعمين ضمن حلقات النقاش الدورية التي أدارتها وكالة "ويلتون بارك" بين أعوام 2018 و2021م.

ثانيا – التوصيات 1- أشاد المؤتمرون بنموذج دولة الإمارات في تجسيد المواطنة الشاملة فعلى أرض هذه الدولة المباركة تتعايش عشرات الأديان والثقافات والأعراق المختلفة ومئات الجنسيات في أمن وأمان ومودة واحترام.

2- ينبه المؤتمرون إلى جدارة النموذج الإماراتي بالدراسة لما يمثله من فضاء رحب للإنسانية والتسامح والمواطنة الشاملة.

3-  تشكيل لجان الخبراء لدراسة ومراجعة مناهج التربية الدينية والمدنية، وتطويرها؛ حتى تأخذ في الاعتبار البعد الإنساني والأخلاقي في مجال التربية على المواطنة الشاملة 4- تأسيس منصة إلكترونية لمتابعة التوصيات والاقتراحات وبلورة الأفكار.

5- تأسيس فرع لمنتدى تعزيز السلم يُعنى بتعزيز السلم وبث قيم المواطنة الشاملة في بعض مناطق العالم كبلاد إفريقيا جنوب الصحراء.

6- تشجيع وتكثيف لقاء القيادات الدينية بغية إبراز أن الدين يبني الجسور بين الثقافات، ويمكنه أن يكون قوة للسكينة والمصالحات.

7- تكوين لجان تربوية لإعداد برامج تعليمية للتربية على المواطنة.

8- تأسيس مركز بحثي ضمن منتدى أبوظبي للسلم يتخصص في قضايا المواطنة والهوية وفق رؤية المنتدى للتعددية والتنوع.

9- إصدار مجلة أكاديمية محكمة خاصة بقضايا المواطنة تجمع بين التخصصات الدينية والإنسانية، وتبني الجسور بين المختصين في الدين والفلسفة.

10- عقد شراكات بين المنتدى والمؤسسات الدينية والجامعية الحكومية والخاصة، المحلية والدولية لتفعيل مضامين إعلان مراكش وحلف الفضول الجديد وميثاق المواطنة الشاملة.

كما يبارك المشاركون في الملتقى للمنتدى إطلاقه لهويته الجديدة وحمله لاسم عاصمة السلام والتسامح وفضاء التعايش والمحبّة، ليكون اسمه "منتدى أبوظبي للسلم"، ليبني على النجاحات السابقة ويعبر إلى فضاءات الإبداع السامقة، بتوفيق الله وعونه.

ويطيب للمشاركين في الملتقى الثامن لـ"منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" أن يعبروا عن صادق تهانيهم لدولة الإمارات العربية المتحدة بمناسبة اليوبيل الذهبي لخمسينية تأسيس الاتحاد، ويعربون عن فائق شكرهم وجزيل ثنائهم لدولة الإمارات العربية المتحدة على تيسيرها انعقاد هذا الملتقى في أوانه المعتاد وبمستواه المعهود بأفضل السبل المتاحة في هذه الظروف الاستثنائية، وأن يرفعوا أسمى مشاعر الامتنان لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله وبارك في عمره، وإلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي، وإلى أصحاب السمو حكام الإمارات؛ حفظهم الله جميعا. وإلى راعي المنتدى سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات العربية المتحدة -حفظه الله.

ويضرع المشاركون في هذا الملتقى إلى العلي القدير أن يشمل بواسع رحمته وسابغ كرمه الشيخَ زايد بن سلطان آل نهيان الذي كان ملاذا في الأزمات للقريب والبعيد، وأن يديم على الإمارات العربية المتحدة نعمة اليد العليا ويحفظها من شر كل وباء وبلاء وسائرَ بلدان العالمين.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وحرر بأبو ظبي في 03 جمادى الأولى 1443 هـ / 07 ديسمبر 2021م لجنة البيان الختامي      

أفكارك وتعليقاتك