شجرة الغاف.. رمز التسامح و العطاء الخالد في وجدان الوطن

شجرة الغاف.. رمز التسامح و العطاء الخالد في وجدان الوطن

أبوظبي ( أردو بوینت نتورك‎‎‎ ۔ ‎‎‎ 01 مارس 2019ء) تحظى " شجرة الغاف " بمكانة خاصة لدى أهل الإمارات كونها ظلت شجرة باسقة منذ سنين طويلة رغم الأحوال الجوية و البيئية القاسية .. ولأن الأجداد رووها بعرقهم فأضحت رمزا للصمود في حياة الإماراتيين الذين أصبحوا يتقنون كل شيء عن تفاصيل حياتها بدءا من نمو بذرتها وتفتح أزهارها وحتى مراحل نموها المتأخرة.

و الامارات والغافة لا ينفصلان بعدما أضحت في شموخها رمزا وطنيا لما لها من ارتباط وثيق بحياة الآباء والأجداد.. فالإمارات بحق موطن الغاف وهي أشجار تعمر لأكثر من 200 عام .

ومن أشجار الغاف الشهيرة في دولة الإمارات غافات "زايد" التي تقع في إمارة دبي وسميت بهذا الاسم نظرا لأن الشيخ زايد الأول " رحمه الله " اتخذها محطة استراحة له في إحدى زياراته إلى امارة دبي.

(تستمر)

وتلك الشجرة الرشيقة الباسقة المسماه بـ"الغاف" كانت على مر الزمان كنزا طبيعيا للأكل و الدواء و لا تزال تتحدى البيئة الصحراوية بأوراقها الخضراء لتكون ظلا وارفا يستظل بها الإنسان والحيوان وتقتات الجمال على أوراقها و الماشية على ثمرها ومن صلابتها تهدي أخشابها لمن يرغب وتعد وقودا لنار التدفئة والكثير من الصناعات التقليدية وأوراقها تستخدم في مجال الطب الشعبي التقليدي.

وفيما يتعلق بالبعد الرمزي لاختيار شجرة الغاف شعارا لعام التسامح..

تقول سعادة الدكتورة شيخة سالم الظاهري الأمين العام بالإنابة لهيئة البيئة - أبوظبي: "التسامح أكثر ما تفاخر به دولتنا أمام العالم فالإمارات التي يعيش و يعمل على أرضها أكثر من 200 جنسية من مختلف الجنسيات في تعايش و انسجام ومحبة هي عنوان للتسامح والانفتاح على الآخر و تم اختيار شجرة الغاف شعارا لعام التسامح 2019 لما تحمله من قيم الاستقرار والسلام في الصحراء." وتضيف: " تختار العديد من الدول حول العالم أشجارا تحمل قيمة وطنية ومعنوية لتعبر عن مناسبة معينة أو تبرز حدثا وطنيا.. واختيار تلك الأشجار مرتبط بالرموز الثقافية و الإرث الوطني و البيئة و المنفعة وفي الإمارات يوجد لدى الجميع قناعة بأن شجرة الغاف لها ارتباطات تجعلها تستحق الاختيار بجدارة لتكون رمزا للتسامح.

ومن الناحية الانثروبولوجية تقول الأمين العام بالإنابة لهيئة البيئة - أبوظبي: " شجرة الغاف يعتد بها رمزا مهما في حياة العامة في دولة الإمارات فهي التي كانت تمثل مجلس الحاكم و كبار القوم قديما بالإضافة أنها كانت تحتضن الأفراح وتستضيف الأتراح فأثرت في أدق تفاصيل حياة الأهالي قديما.. و من الناحية الاجتماعية وصل الأمر إلى المباهاة بما يملكه كل فرد من أشجار الغاف ومارس معظم أهل البادية جل سلوكهم الاجتماعي تحت أشجار الغاف إذ كانت ظلالها مركزا للتجمع يرتشفون القهوة ويسترجعون الذكريات التي أصبحت من الماضي وهذا بدوره يعتبر مظهرا من مظاهر التواصل والتكافل".

وردا على سؤال عما إذا كان لشجرة الغاف أبعاد آخرى أكثر أهمية.. تؤكد الظاهري أنها تكتسب قيمتها المعنوية والوطنية كونها شجرة يتجمع تحت الناس للتشاور منذ القدم إذ درجت العادة في المساء أن يتوسط كل شيخ من شيوخ القبائل مجلسا تحت أشجار الغاف يعتبر منتدى حرا لأبناء القبيلة ..

كما يحق لأبناء القبائل المجاورة الانضمام إليه دون قيد أو شرط وحتى عابر السبيل يلقى كامل الترحيب به في هذا المجلس ويلتقي الجميع وتدور حول موقد النار فناجين القهوة و حبات التمر يتناقلون الأخبار ويناقشون أمورهم المهمة وتروى في جلسة الحضور الحكايات والطرائف ويتحدث الأوفر حظا بالعلم عن قضايا دينية وأمور تاريخية وأحداث بطولية.

و تضيف: " من الأبعاد الأخرى التي لا تقل أهمية أن أشجار الغاف ساهمت في نشر الوعي الثقافي إذ تتحول إلى منابر ثقافية عندما تحتضن تحت أغصانها المجالس البدوية التي كثيرا ما تكون مكان إشعاع للشعر بنوعيه العامي والفصيح ".

و نوهت إلى أن أشجار الغاف كانت قديما تعد بمثابة نواد ثقافية يلتقى تحتها المثقفون والموهوبون فتجد بين الحضور الأدباء والشعراء ورواة التاريخ والأمثال والحكايات الشعبية والأمجاد التي لا ينضب معينها مما جعل الغاف مضربا للأمثال ومنبعا للروايات والحكايات التراثية.

وعن مدى حضور الغاف في وجدان الشعب والقيادة.. تقول سعادة الدكتورة شيخة سالم الظاهري الأمين العام بالإنابة لهيئة البيئة - أبوظبي: " كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان المؤسس والباني "طيب الله ثراه" من أكثر من قدروا شجرة الغاف وحافظ على ما هو موجود من أشجارها في الطبيعة وأصدر توجيهاته بمنع قطع أي شجرة غاف في إمارات الدولة.. و أمر باستزراع غابات جديدة واسعة من الغاف حتى وصل عددها بأبوظبي إلى أكثر من ستة ملايين شجرة تقريبا وباتت تمثل ما نسبته 31 بالمائة من أشجار الغابات التي استصلحتها الحكومة.

وتضيف: "يمكننا اليوم القول بكل ثقة أن شجرة الغاف هي رمز التسامح وبذرة المحبة التي زرعها زايد في وجدان الوطن ونهج القيادة الرشيدة وهي جزء أصيل من ارثه لشعب الإمارات ولا يزال زايد وارثه حاضرا بقوة في ذاكرة ووجدان الوطن والمواطنين وقلوب الأمة العربية والاسلامية والشعوب الصديقة." و حول تواجد أشجار الغاف في إمارة أبوظبي.. تقول: تقع أقدم شجرة غاف في الإمارات "الشبهانة" و التي يتراوح عمرها ما بين 150 و200 عام في مدينة السلع بمنطقة الظفرة التي تضم حاليا أكثر من مليونين و700 ألف شجرة غاف بينما يصل العدد إلى 7 آلاف شجرة داخل النطاق الحضري لمدينة العين.

ونوهت إلى أن شجرة الغاف "أم غافة" المعمرة منذ عشرات السنين في منطقة "أم غافة" التي تقع على بعد 30 كيلومترا شرق مدينة العين تعد من أشهر الأشجار خاصة أن المنطقة التي توجد بها سميت باسمها.

من جانبه يقول: عبدالله عبد الرحمن /باحث واعلامي/: "دائما الإمارات سباقة بأفكارها وانجازاتها و يكفي أنها استهلت عام 2019 "عام التسامح" لتكون أول دولة تقدم شجرة الغاف للعالم رمزا للتسامح يوطد المحبة و السلام بين الأمم فكما نكن لشجرة الغاف مودة خاصة فهي قريبة من قلوب مواطني بلدان كثيرة في العالم و تشاركنا الاهتمام بشجرة الغاف إذ يقوم المواطنون هناك بطحن ثمار الغاف وتحويلها إلى خبز حلو المذاق يأكلونه ويتغذون عليه ما يؤكد أن الاتجاه المحلي في اعتماد الشجرة رمزا للتسامح موفق وامتداد للاتجاه العالمي." ويضيف: "غاف الإمارات يحمل أبعادا تاريخية ووطنية عميقة وأعتقد أن الإمارات أول دولة تضيف إلى قيمة شجرة الغاف الاقتصادية مزية جمالية في المدن والقرى حيث باتت يزرع بكثافة." ويقول : " أينما وجدت شجرة الغاف لابد أن تشعرك أنها رمز للصمود وتحدي الصحراء و رفعة الشأن كونها أحادية الساق و لا تنمو إلا إلى الأعلى و كأنها تنظر إلى السماء وهي كثيرة الأوراق وارفة الظلال يكسوها اللون الأخضر رغم وجودها وسط الصحراء وهي شجرة تعلمنا الصمود و الصبر والقوة ".

و حول تواجد الغاف في إمارة دبي يقول عبدالله عبدالرحمن: " يزرعها أهل الإمارات كافة في منازلهم وفوائدها لا حصر لها لكن يصل عدد أشجار الغاف داخل المناطق الحضرية في إمارة دبي إلى نحو 6 آلاف شجرة ويتركز وجودها في الوديان مثل وادي الخوانيج بالعوير ولهباب ووادي العمردي وفي منطقة مشرف يوجد "عود الشداد" وسمي بهذا الاسم لأن أهل البادية اعتادوا وضع الشداد عليها / والشداد هو عبارة عن فرش يوضع على ظهر الناقة ليسهل ركوبها وتحميلها/ وشرق ند راشد توجد "غافة البطرانة" وفي المحيان شرق المزهر توجد "غافة المحايين" وفي الخوانيج توجد كيلة / احدى مراحل نمو الغاف وتلفظ في العامية جيلة/ حروب وسميت بهذا الاسم نسبة إلى شخص اسمه حروب استظل بظلها وقت الظهيرة " .

ويضيف: توجد "الغافات السوود" بالقرب من الخوانيج و أطلق عليها هذا الاسم لأنها دائمة الاخضرار و سود كما توجد "غافة العذبة العودة والعذبة الصغيرة" في مشرف.. مشيرا إلى أن محمية "غاف نزوى" تشتهر بوجود أعداد من أشجار "الغاف" والتي تصنف وﻓقا ﻟﻤﻌﺎيير الاﺗﺤﺎد اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﺼون الطبيعة ضمن فئة المتنزهات الوطنية المحمية.

من جانبه يقول: راشد بن علي العوادي/من سكان الحمرانية برأس الخيمة/: " شجرة الغاف خيرها عظيم على الانسان والحيوان وحتى التربة والبيئة وتجود بأفضل أنواع العسل في موسم الأزهار و كان يستفاد من بذور الغاف كعلف للحيوانات الأليفة و استخدمت أخشاب الغاف في تشييد منازل الشعر و العريش لأن خشبه عمودي و مستقيم كما استخدم وقودا للطهي والتدفئة وفي التجارة إذ كان البدوي يبادل بها في أسواق المدن سلعا آخرى وتسمى هذه العملية بـ "الحمولة أو الرفاع" نسبة إلى ما تحمله أو ترفعه الإبل أما الأخشاب الكبيرة فيتم حرقها واستخراج الفحم منها.

ويضيف: " منذ ولادتي وأنا أرى شجرة الغاف في كل مكان لكن من أهم المناطق التي ينمو بها في إمارة رأس الخيمة .. الحمرانية والمقورة والدقداقة ولخريجة والخران وفي منطقة المزرع يكثر الغاف ويكون متلاصقا مع بعضه البعض".

و ذكر أن أشهر أشجار الغاف في منطقة الحمرانية غافات الحمرانية الظليلة و العود الأصفر وعود المينون وغافات الجيسة وغافات الحويلة والعود الأسود جنوب الحمرانية وغافات المصافير وجزعة الدروع وغافات الهزع.

و نوه إلى أن أشهر أشجار الغاف في منطقة شمل عود الشحوح و غافات مقشر ناحية هور الغديرة و غافة البعير في الفلية وفي منطقة شمل جلفار توجد غافة المناعي والعبدولي وغافة أمون وكلها كانت تشهد تجمعا كبيرا من الأهالي تحتها في موسم المقيظ.

وأشار إلى أن " غافة القرايم " كانت على الطريق في منطقة شمل و تتخذها بعض قبائل المناطق الجبلية محطة استراحة لها عندما تأتي من الجبل لبيع الفحم والحطب والتين و"غافة أسد" كان الحدادون يقيمون تحتها خلال موسم القيظ.

أفكارك وتعليقاتك