"القمة الثقافية أبوظبي 2019".. قادة الفكر يناقشون القضايا الثقافية الملحة

"القمة الثقافية أبوظبي 2019".. قادة الفكر يناقشون القضايا الثقافية الملحة

أبوظبي ( أردو بوینت نتورك‎‎‎ ۔ ‎‎‎ 10 أبريل 2019ء) شهد اليوم الثالث من الجلسات النقاشية لـ"القمة الثقافية أبوظبي 2019"، التي تنظمها دائرة الثقافة والسياحة نقاشات حوارية مثمرة حول مواضيع وقضايا ثقافية ملحة من العصر الحالي بمشاركة قادة الفكر والثقافة والاعلام من حول العالم وذلك في منارة السعديات، بأبوظبي.

وتقدّم "القمة الثقافية" على مدار خمسة أيام سلسلة حيوية من حلقات النقاش وورش العمل التفاعلية تتمحور حول الفنون، والإعلام، والتراث، والمتاحف، والتكنولوجيا، فضلاً عن استضافة فنون أدائية وجلسات تواصل تحت عنوان "المسؤولية الثقافية والتكنولوجيا الجديدة"، وتطرح القمة أسئلة حول كيفية تحفيز الوكلاء الثقافيين للعب دور أكبر في مواجهة التحديات العالمية، وكيف يمكن تسخير الإبداع والتكنولوجيا لإحداث التغيير الإيجابي.

(تستمر)

وانطلقت الجلسة الافتتاحية لليوم الثالث للجلسات النقاشية بإدارة جون بيردو، محرر صحفي في مجلة "ذي إيكونوميست"، بعنوان "ما هي الحدود الجديدة؟" وناقشت قدرة الابتكار ووجهات النظر الجديدة في فتح آفاق جديدة للأخبار ووسائل الإعلام الثقافية، وكيف تعمل على تغيير تفاعلنا مع العالم من حولنا وتفسيره؟ وتحدّث عمار باكشي، مؤسس Shared_Studios، عن مشروعه "Portals" /البوابات/، والذي يستخدم التكنولوجيا للتواصل بين الأشخاص، عبر وضع حاويات شحن في مدن مختلفة حول العالم ويمكن للناس من خلالها المشاركة في مكالمة فيديو مباشرة مع شخص من بلد آخر، وثقافة مختلفة تماما ..مشيرا إلى أن المشروع يهدف إلى الربط بين شتى المجتمعات للتركيز على العوامل التي تشترك بها وتقبّل الفروقات بينها، واستخدام التكنولوجيا لتوحيدنا بدلاً من تقسيمنا.

ونوّه بأن المؤسسات التكنولوجية تتعامل معنا كمستهلكين فرديين، عوضاً عن كوننا المورد الأساسي للمجتمع، ولابد من أن تنتج الكثير من العواقب الوخيمة لهذه الطريقة من دمج التكنولوجيا في حياتنا.

وبدوره قال ماهر شميطلي، رئيس مكتب الأخبار العاجلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في رويترز إن هناك ثورة في تقارير الحرب بسبب التطور الكبير الذي تشهده صور الأقمار الصناعية، فقد مكنت الصور عالية الدقة الصحفيين من الوصول الكامل لأي موقع، وهو أكثر ما يحتاجه أي مراسل للحصول على الحقائق.

وأوضح أن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات إدى إلى تغيير منظومة العمل بشكل كبير، حيث يمكن لكل شخص أن يكون مراسلاً للأخبار، حتى في أصغر قرية نائية ويمكن للمقيمين أن يقوموا بالتغريد المباشر من مناطق الصراع، حتى أثناء تعتيم وسائل الإعلام عندما لا يتمكن الصحفيون من الوصول لتغطية الأحداث.

وقال ريكاردو كرم، مقدم برنامج توك شو، صاحب مؤسسة تكريم إنه واجه صعوبة في التعامل مع مثل هذه التغييرات التكنولوجية السريعة في العقد الماضي ..مشيرا إلى أنه في دورة أخبار اليوم، غالباً ما يتم التركيز على الصور والأخبار المثيرة أو المزيفة، ويتم غض النظر عن العنصر البشري. وتحدث عن الحاجة إلى وجود شخصيات ملهمة نقتدي بها، خاصة في المنطقة.

وطرحت الجلسة الثانية سؤال "هل هناك ما يسمى بالفن في الأماكن العامة؟"، وأدارها تيم مارلو، المدير الفني للأكاديمية الملكية للفنون، حيث ناقش مفهوم الفن في الأماكن العامة وما إذا كان يستحق تكريس فئة فنية خاصة به فقط، وما إذا كان العمل في المجال العام يغير مسؤولية الفنانين؟ وهل للصروح العامة أي معنى في القرن الحادي والعشرين؟ وهل ينبغي للقائمين على تكليف الأعمال الفنية التركيز على دوام العمل الفني مقابل تواجده لفترة محددة فقط؟ وأوضح الفنان وائل شوقي كيف تبحث أعماله الفنية في المجتمعات التي تمر بمرحلة انتقالية وتحلم بالتنمية والنهوض من جديد، حيث لا يعتبر معظم أعماله فنوناً عامةً بمعناها التقليدي المتداول، ولكن يراها بمثابة عروض أدائية في الأماكن العامة.

وذكر بأنه يعتقد أن الفنانين يتحملون مسؤولية معينة في طريقة إيصال الفكرة المنطوية في فنونهم في الأماكن العامة، التي لا يجب أن تتجه نحو الدعائية.

وأعربت فرشيد موسوي، معمارية حاصلة على رتبة الإمبراطورية الملكية، عن ملاحظتها للتباعد التدريجي المتزايد بين الفن والهندسة المعمارية اليوم، في حين كانت تعتبر الهندسة المعمارية سابقاً شكلاً من أشكال الفنون ..مشيرة إلى أنه يُنظر إلى الفن العام أحيانًا على أنه وسيلة لإصلاح العمارة "السيئة".

وترى بأن التعاون بين الخبراء في المجالين هو المفتاح، فإن المهندسين المعماريين متعاونون رائعون ويمكن أن يؤدي التعاون والتبادل مع الفنانين إلى نتائج رائعة، ومع ذلك غالباً ما يتكلل فرض الفن في الأماكن العامة على التطورات البنائية بالفشل، منوهة بأن المساحات العامة تمثّل بعداً أساسياً ضمن نطاق عمل المهندسين المعماريين.

وتحدث الفنان أوليفر بير، عن ممارسته الفنية، التي تتأرجح بين الضخامة والحميمية، مع تبنيها في أغلب الأوقات الصوت حيث يلتقط الأصوات الناجمة عن الأجسام وترددها، عبر قطعة واحدة تشكل مقطوعة "أوركسترا"، مشيرا إلى أنه في أكبر عمل فني عام له، قام بوضوع مكبّرات الصوت /المايكروفون/ في قاع نهر السين.

وقال الفنان مايكل ريغ مارتن إنه عند صياغة الفن العام، يعد خلق العلاقة مع المكان أمراً بالغ الأهمية، إضافة إلى اعتبارات الجمهور وحجم العمل.

وأعرب عن اعتقاده بأن تواجد الفن العام يجعل من الآثار المتواجدة مسبقاً قديمة الطراز؛ وعليه، فإن الأعمال المؤقتة منطقية أكثر في عصرنا، مشيراً إلى صعوبة إنشاء شيء سيكون له صدى عام على مدى فترة طويلة من الزمن؛ فالعالم يمر بمرحلة تغير مستمرة، فالأذواق تتغير، والمباني تُهدم، ولم يعد هناك معنى للأشياء الدائمة كما كان الوضع سابقاً.

وفي السنوات الأخيرة، أحدث عدد من التطورات التكنولوجية ثورة في مجال التراث، لا سيما لتوثيق ودراسة وعرض الممتلكات الثقافية والتحف الفنية، وقد تمحور النقاش في الجلسة الثالثة حول سؤال "كيف تدعم التكنولوجيا الجديدة التراث في حالات الطوارئ؟" وترأسها أوليفر فان دام، المتخصص في برامج التخطيط والتنسيق، يونوسات، وبحثت في إمكانيات هذه التطورات الجديدة فيما يتعلق بالاحتياجات المرتبطة بحماية التراث الثقافي في سياق وقوع الأزمات واندلاع الصراعات.

وتحدّث إيف أوبيلمان، رئيس شركة إيكونيم، عن عمل شركته في تطوير أدوات جديدة لتوثيق المواقع والآثار المعرضة للخطر بخاصية ثلاثية الأبعاد، والتي أتت نتيجة رد فعل ضد التدمير الممنهج للتراث، وتم تنفيذها في مشاريع في 30 دولة حول العالم.

وأوضّح أنه يمكن لعلماء الآثار استخدام هذه النسخ الرقمية لدراسة الموقع من بعيد، وتشكيل جسر بين المجتمع العلمي والمجتمعات التي تمر بالحروب، مشيرا الى أن هذه الصور يمكن استخدامها في المعارض العامة، مما يسمح للناس بزيارة المواقع التي يتعذر الوصول إليها وأنه في بعض الأحيان يمكن للتوثيق رفع الوعي بالمواقع وحفظها من التدمير.

وأوضحت الدكتورة إيما كونليف، الباحث المشارك في قسم حماية الممتلكات الثقافية والسلام بجامعة نيوكاسل، فائدة صور الأقمار الصناعية في عملها، لأنها تتيح الوصول إلى المعلومات حول المناطق التي لا يمكن الذهاب إليها بسهولة، وتوفر إمكانية إجراء تقييمات سريعة، وتوضّح حجم الضرر والموارد اللازمة لإعادة الإعمار، كما تساعد في رفع الوعي العام.

وأشارت إلى أنه من أبرز فوائد هذه التكنولوجيا هي خاصيتها في تحويل ونقل المعلومات، حيث تمكنت هي وزملاؤها من تدريب محترفين في مختلف البلدان، ليتمكنوا من تطوير التكنولوجيا واستخدامها بالطريقة التي تخدمهم في إنشاء قائمة تراث وطني خاصة بهم.

وتحدثت كريستين باركر، مستشارة في التراث الثقافي، عن عملها مع اللاجئين، مشيرة إلى أن التراث الثقافي يعمل كمعلم يعيد توجيه المجتمعات بعد الكوارث".

وأعربت عن اعتقادها بأن على الأرشيفيين أن يكونوا سبّاقين في الحفاظ على السجلات التاريخية في زمننا هذا ..مشيرة إلى أنه لطالما استخدم الناس التكنولوجيا المتاحة لهم للحفاظ على حياتهم وذكرياتهم، مما يجعل للهواتف الذكية أهمية كبيرة بالنسبة للنازحين اليوم فهي لا تمثّل مجرّد أدوات للتواصل والملاحة، بل هي مستودعات تحتوي على صور تكون أحيانًا الذكريات الوحيدة التي تركوها خلفهم.

وتحدّث مارتن روزك، مدير أول للسياسة العامة والعلاقات الحكومية لشركة جوجل، عن العمل الذي تقوم به مبادرة جوجل للفنون والثقافة /Google Arts and Culture/، بهدف إتاحة الفن لأي شخص من أي مكان في العالم مجانا، لما رأوه من فجوات في سرد قصص ومفاهيم الأعمال الفنية والتحف، مشيرا إلى أنه بالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون زيارة المواقع والمؤسسات، فتمكّن هذه التكنولوجيا من تقديم تجربة غامرة من بعيد.

وذكر أن جوجل تستخدم كاميرات ذات خاصية Super HD عالية الدقة، لتصوير اللوحات والمجسمات ثلاثية الأبعاد، وتستخدم تقنية التجوّل الافتراضي لتجسيد المواقع الأثرية؛ ويجرون التجارب حالياً على استخدام خاصية الواقع المعزز /Augmented Reality/ وثبت أن تقنيتهم ذات فائدة كبيرة في حالات الطوارئ أيضًا؛ حيث تملك جوجل صورا لمجموعة المتحف الوطني في البرازيل قبل الحريق، وكذلك الكثير من الصور لمتحف الموصل.

وترأس الجلسة الأخيرة ريتشارد آرمسترونج، مدير متحف ومؤسسة سولومون آر جوجنهايم، والتي تركزت على السؤال "ما هو الدور العام في صياغة وتشكيل المتاحف؟" وناقشت الإقبال الكبير على تأسيس وافتتاح متاحف للفن الحديث والمعاصر في مختلف أنحاء العالم بمعدل غير مسبوق.

وتحدّث كولابات يانتراست، معماري في شركة wHY، عن الدور الأساسي الذي تلعبه الهندسة المعمارية في تصوّر متحف جديد، حيث تحوّلت هذه المؤسسات من كونها "معابد للثقافة" إلى مفهوم أشبه للمنصّات، مشيرة إلى أنها ليست مجرد مبان مادية بل تعتبر تجربة، والهندسة المعمارية جزء من العلامة التجارية للمتحف.

ولفت إلى أنه عند إعادة تعريف محتوى هذه المتاحف، يجب أن تتعرف هذه المؤسسات على جماهيرها وتوقعاتهم، مشيرة إلى أن المتاحف اليوم تتنافس لتكون ذات صلة بكل ضجيج الحياة الحديثة.

وتساءل ..لماذا نتنافس ولكن لا ننضمن لبعضنا البعض؟ فالأسئلة المهمة برأيه هي كيف يمكن للهندسة المعمارية تعزيز حياة المجتمع بالمزيد من الازدهار، وكيفية استخدام قوة العمارة في خلق شعور مجتمعي موحّد.

وقدّمت سوهاينا رافيل، مديرة M+، هونج كونج، المفهوم الكامن وراء مؤسسة "أكثر من متحف"، التي تنتهجها مؤسسة M +، التي ما زالت قيد الإنشاء في منطقة غرب كولون الثقافية في هونغ كونغ، موضحة أنه عند إنشائهم لهذا المتحف الجديد للثقافة المرئية، تعين عليها هي وفريقها التفكير بعمق في كيفية توفير المتاحف لقيمة تاريخية وجمالية واجتماعية.

وأشارت إلى أنهم يعملون لضمان تقدير خبراتهم ومعارفهم وتطبيقها بالمعنى التقليدي للمتحف؛ ومع ذلك، فهم لن يتبعوا الطريقة التقليدية في التعامل مع الجماهير.

وأعرب عن اعتقادها بأن النزاهة ستكون الجزء الأساسي في عملية التسليم وإيصال محتواهم، خصوصاً عند العمل مع مجتمعات الشباب وبناء الجمهور.

وقدّمت مادلين غرينسزتين، مديرة متحف الفن المعاصر، شيكاغو، خلفية عن مؤسستها، مشيرة إلى أنها تأسست كمساحة للفن المعاصر والتجريبي، وكذلك كهيئة للتكليف، حيث يوضّح الشعار الذي يقوم عليه المتحف؛ "فنان نشط، جمهور مفتون" كل ما يسعى المتحف إلى تحقيقه.

وتحدث آرون سيتو، مدير MACAN، جاكرتا، عن مؤسسته الصغيرة والتي تعتبر أول متحف فني معاصر في إندونيسيا، مشيرا إلى أنه على الرغم من كونهم متحفًا خاصًا، إلا أنهم يعملون في المجال العام، ومحركهم الرئيسي هو التعليم، وتدور الكثير من محادثاتهم الداخلية حول: كيفية التواصل، وكيفية التعليم.

أما عن عروض الأداء الفني المصاحبة للقمة الثقافية، فقد شهد اليوم الثالث تقديم أداء شعريً لمغني الراب والممثل والموسيقي وكاتب الأغاني الأمريكي، ساول ويليامز، وعرض أدائي يعلّق على ممارسات العمل الاستغلالية في بلدها الأم تايلند للفنانة كاويتا فاتاناجيانكور، وأداء راقص روائي، لديكسون إم بي ومايا جيلان دونغ.

وتخللت جلسات ما بعد الظهيرة ورش عمل قائمة على حلقات عصف ذهني متعددة القطاعات لتبادل الأفكار حول القضايا والتحديات الرئيسية، والتي ركزت على توضيح الأسئلة التي طرحت في الجلسات التي عُقدت خلال اليوم، وتمحورت حول كيفية جعل الثقافة والتكنولوجيا فعالتين للمجتمع في كافة المجالات.

واستكشف اليوم الأول والثاني أسئلة عديدة، وبدأت ورش عمل اليوم في تطوير إجابات بإجراءات ملموسة ومؤثرة من قبل القادة الثقافيين والفنانين والمؤسسات والحكومات، تنصبّ في تحقيق ما تسعى نحوه القمّة من نتائج مفيدة وقابلة للتطبيق.

واختتمت أعمال اليوم الثالث للجلسات النقاشية بجولة في متحف اللوفر أبوظبي لضيوف "القمة الثقافية أبوظبي 2019".

أفكارك وتعليقاتك