قطاع المطاعم في فرنسا..​​​.خسائر بالمليارات ومخاوف من أفق مجهول

قطاع المطاعم في فرنسا..​​​.خسائر بالمليارات ومخاوف من أفق مجهول

( أردو بوینت نتورك‎‎‎ ۔ / سبوتنيك - 14 مايو 2020ء) من أمام مصدر عيشه المغلق في الدائرة الـ 19 في باريس، يعرب حسين، وهو صاحب مطعم لبناني، عن قلقه الشديد من الأفق المجهول، مشيرا إلى أنه ولأول مرة منذ 16 عاماً، بات يشعر بخوف حقيقي من الإفلاس نتيجة الخسائر الفادحة التي تكبدها لحد الآن، والتي سيتكبدها مستقبلا بسبب استمرار إغلاق المطاعم في كل أنحاء فرنسا؛ هذا هو اليوم حال جزء كبير من أصحاب المطاعم في فرنسا بعد قرار السلطات مواصلة فرض الإغلاق على جميع المطاعم في البلاد على الرغم من بدء رفع الحجر الصحي.

وبدأت فرنسا يوم الاثنين الماضي، عملية رفع الحجر الصحي "بشكل تدريجي وحذر" بعد 55 يوماً من العزل والإجراءات الصحية المشددة. ومنذ ساعات الصباح الأولى فتحت المحال التجارية أبوابها أمام الزبائن كما استعادت الشركات نشاطها جزئياً لتعطي دفعة للعجلة الاقتصادية بعد قرابة شهرين من الإغلاق.

(تستمر)

إلا أن إجراءات رفع الحجر الصحي لم تشمل قطاع المطاعم الذي بات يعد الأكثر تضررا من الأزمة الصحية التي تسبب بها انتشار فيروس كورونا. وأصدرت الحكومة في الـ 14 من مارس الماضي - أي قبل ثلاثة أيام من بدء الحجر الصحي - أمراً بإقفال جميع المطاعم والمقاهي والحانات حتى إشعار آخر وذلك بسبب المخاطر المترتبة عن تجمّع المواطنين في أماكن مغلقة ومكتظة.

ويقول حسين، صاحب المطعم اللبناني لسبوتنيك : "أسست مطعمي عام 2004 واستطعت بعد سنوات من العمل المضني أن أكسب زبائناً معتادين وأحقق نوعا من الاستقرار المادي. مررت بظروف صعبة منها الأزمة المالية التي هزّت العالم عام 2007/2008 لكني استطعت تدّبر أمري".

ويتابع : "لكن هذه الأزمة التي نشهدها اليوم لا مثيل لها. لأول مرة منذ 16 عاما أشعر بقلق حقيقي. كلمة رئيس الوزراء ادوار فيليب ( ألقاها في الجمعية الوطنية في ال28 من الشهر الماضي وطرح فيها خطته للخروج من الحجر الصحي) كانت بمثابة الخبر الفاجعة لأنه لم يحدد متى سيتم السماح للمطاعم بفتح أبوابها من جديد. نحن أصحاب المطاعم شعرنا بالغبن صراحة لأننا مجبرون على مواصلة الإغلاق من دون جدول زمني محدد".

هذا ومن المنتظر أن تبدأ المرحلة الثانية من رفع الحجر الصحي في الثاني من شهر يونيو المقبل. وستعلن السلطات أواخر الشهر الجاري عن الإجراءات المقبلة ومنها موعد فتح المطاعم الذي لن يحدث قبل الـ 15 من يونيو على أحسن تقدير.

ومنذ بدء الأزمة حاولت السلطات طمأنة أصحاب المطاعم معلنة عن سلسلة إجراءات من شأنها أن تخفف الأعباء المادية عليهم بهدف تفادي الإفلاس. وأعلنت وزارة الاقتصاد الشهر الماضي، عن إنشاء صندوق استثماري بقيمة قرابة المليار يورو من أجل مساعدة أصحاب المطاعم على استئناف نشاطهم كما أعلنت عن تجميد دفع بعض المستحقات والضرائب بالإضافة لتأجيل دفع الإيجارات وفواتير الكهرباء والماء.

وفعّلت وزارة الاقتصاد آلية "البطالة الجزئية" حيث تقوم الدولة بدفع قرابة 80 بالمئة من معاشات العاملين في المطاعم فيما يدفع صاحب المطعم الـ 20 بالمئة المتبقين. هذا وتقدّر قيمة التسهيلات والمدفوعات التي ستتكفل بها الحكومة لمساعدة قطاع المطاعم ب8 مليار يورو بسحب وزير الاقتصاد برونو لومير.

ويحسب تصريح أدلى به نائب رئيس اتحاد الحرف والصناعات الفندقية - وهي أبرز نقابات أرباب العمل في قطاع المطاعم والفنادق - إيرفي بيكام لإذاعة "ار.تي.ال" الفرنسية فإن "40 بالمئة من المطاعم قد تُفلس خلال الأشهر المقبلة حيث تقدّر الخسائر التي يتكبدها القطاع بـ 6 مليارات يورو شهريا."

ويرى حسين، صاحب المطعم اللبناني أن حزمة المساعدات والتسهيلات التي أعلنت عنها الحكومة "جيدة لكن غير كافية لإنقاذ العديد من المطاعم من الإفلاس خاصة الحديثة منها".

ويروي حسين لسبوتنيك، قائلا إن "الحل الفعلي هو إلغاء جميع الضرائب لعام 2020 وليس تأجيلها بالإضافة لإجبار شركات التأمين على دفع قسم من الخسائر".

وتدور حاليا معركة بين أصحاب المطاعم من جهة وشركات التأمين من جهة ثانية، حيث ترفض هذه الأخيرة اعتبار الخسائر التي تكبدتها المطاعم بسبب الجائحة جزءا من نطاق مسؤولياتها. ولغاية الآن ترفض شركات التأمين دفع "خسائر التشغيل" التي تكبدتها المطاعم مما دفع ببعض أصحاب المطاعم للجوء للمحاكم. من جهته اعتبر وزير الاقتصاد برونو لومير الأسبوع الماضي، أن شركات التأمين مُلزمة بدفع تعويضات عن الخسائر "فقط ضمن الشروط التي ينص عليها العقد" ، ليعود لاحقا ويعدّل في موقفه طالبا مزيدا من التعاون من قبل شركات التأمين لمساعدة المطاعم. وقال لومير يوم الإثنين الماضي�

� لقناة "بي.اف.ام" الفرنسية إنه من الممكن إجراء تعديل في عقود التأمين لكي تشمل تغطية الخسائر الناجمة عن الجائحة، ما أثار مخاوف حقيقية لدى شركات التأمين. وتجدر الإشارة إلى أن لومير اجتمع يوم الثلاثاء الماضي، بممثلين عن شركات التأمين وممثلين عن أصحاب المطاعم لكي يحاول إيجاد حل توافقي يناسب الطرفين.

وعن تغطية خسائر التشغيل من قبل شركات التأمين يقول جيروم، وهو صاحب مطعم فرنسي في قرية "غودارغ" جنوب البلاد، إنه لم يحصل سوى على تعويض "لا يُذكر" من قبل شركة التأمين التي تعاقد معها منذ أن أسس مطعمه.

وتعتمد المطاعم جنوب فرنسا بشكل رئيسي على الموسم السياحي الممتد من بداية فصل الربيع لغاية آخر الصيف نظرا لتفضيل عدد كبير من الفرنسيين تقضية عطلتهم جنوب البلاد حيث المناخ المتوسطي والمعتدل. ويعرب جيروم عن قلقه البالغ وتخوفه من المستقبل قائلا إن الخسائر التي تكبدها لن تسمح له باستئناف عمله بشكل طبيعي قبل ثلاث سنوات على الأقل. ويضيف :"ننتظر خصيصا هذه الفترة من العام لكي نحقق الأرباح التي نأملها فعادةً ما يكون فصل الشتاء قليل الربح نظرا لانخفاض أعداد زبائننا. لكن هذه السنة لا شيء ، لا صيفا ولا شتاء".

ويحاول جيروم جاهداً أن يقلل الخسائر قدر الإمكان، هو الذي قرر بعد ثلاثة أسابيع من الإغلاق التام أن يبدأ بالعمل من مطعمه المغلق عبر إيصال أطباق الطعام الى منازل الزبائن المحجورين.

وفي هذا الصدد يشرح قائلا :"مع بداية الحجر الصحي ، أغلقت مطعمي بشكل تام لمدة ثلاثة أسابيع مما أدى إلى تكبدي خسائر بقيمة 100 بالمئة. بعدها قررت أن أتأقلم مع الوضع لأنني أدركت أن الوضع سيصبح كارثيا أكثر لو استمر على هذا المنوال؛ بدأت وزوجتي، مرتين في الأسبوع بتحضير الأطباق في مطعمي المغلق لإيصالها إلى منازل الزبائن المحجورين. هذه العملية سمحت لي بتقليل حجم الخسائر عبر تحقيق أرباح بنسبة 30 بالمئة لا أكثر."

وتُعرف فرنسا بمطبخها الغني وبفن الطهو وبثقافة ارتياد المطاعم حيث يُعتبر هذا القطاع ذات أهمية حيوية لاقتصاد البلاد نظرا لكونه عاملا يساهم بجذب السياح من كافة أنحاء العالم ( تعدّ فرنسا أول وجهة سياحية في العالم).

وعن المساعدات التي قدمتها الحكومة الفرنسية لمساعدة أصحاب المطاعم يقول جيروم إنه حصل على مبلغ 1500 يورو كمساعدة - تُدفع شهريا طيلة فترة الإغلاق - من الحكومة مضيفا بأن هذه الأخيرة بدأت أيضا بدفع أجر البطالة للموظفين اللذين يعملان لديه. ويتابع :"بالطبع هذه المساعدات مهمة بالنسبة إلينا لكنها غير كافية إذا لم تُستكمل بإلغاء تام للرسوم المستحقة لهذا العام".

وعند سؤاله عن موقفه من قرار السلطات الإبقاء على إغلاق المطاعم لغاية منتصف الشهر الجاري على الأقل يقول جيروم بلهجته المتميزة الآتية من جنوب فرنسا : "أتفهّم موقف الحكومة وحرصها على الأمن الصحي لكن الخسائر التي نتكبدها كارثية بالفعل، وكل يوم إضافي من الإغلاق سيؤدي إلى إفلاس مزيد من المطاعم. نحن نتكلم هنا عن قطاع بأكمله؛ لدي صديق يمتلك مطعما في القرية المجاورة ؛ بالأمس كلمني وقال لي إنه سيعلن إفلاسه لا محالة بعد انتهاء الأزمة".

أفكارك وتعليقاتك